ماذا يحدث لو نسي الهدف ؟

فإذا نسي الهدف من نزول القرآن ، وبالتالي لم يحدث ربط الوسائل بهذا الهدف ، فمن المتوقع أن يتعامل الكثير مع النصوص الواردة في فضل وأهمية " الوسائل "   ( كفضل القراءة والترتيل والحفظ وقراءة الليل ) على أنها "غايات" و"أهداف".

فيصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف ومن ثم لا يعطي اهتماما يذكر للقراءة المتأنية الواعية المدركة لمعاني الآيات فضلا عن التأثر بها .

وينصرف الهم كذلك إلى تحصيل أكبر قدر من الحسنات من خلال القراءة السريعة ، وينصرف الهم أيضا إلى استغراق الأوقات في تعلم أحكام الترتيل والتعمق فيها ، والتشديد على المتعلمين في أمور قد لا تكون أساسية في الترتيل .

كل ذلك وغيره من المتوقع أن يحدث لو نسى الهدف من نزول القرآن .

ولقد حدث ذلك بالفعل . نعم ، لم يحدث ذلك بين يوم وليلة ، بل بدأ نسيان الهدف من نزول القرآن يحدث بالتدريج بعد الجيل الأول .

يقول عبد الله بن مسعود :" أنزل القرآن ليعمل به ، فاتخذوا دراسته عملا !!

إن أحدكم ليقرأ من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا ، وقد أسقط العمل به"(1).

ويقول الحسن البصري :" إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل ، وجعلتم الليل جملا ، فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحله ، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار"(2).

وخير توصيف للحال مع القرآن حين ينسى الهدف من نزوله قول الحسن البصري : "إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يأتوا الأمر من قبل أوله ، قال الله عز وجل (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ  ) .

وما تدبر آياته إلا اتباعه لعلمه ، والله يعلمه .

أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : قد قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفا، وقد أسقطه كله ، ما بدا له القرآن في خلق ولا عمل ، حتى إن أحدهم ليقول : والله إني لأقرأ السورة في نفس واحد .

والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة ، ومتى كانت القراء تقول مثل هذا ؟ لا كثر الله في الناس مثل هذا(3) .


(1) إحياء علوم الدين 1/ 426 .

(2) لمحات الأنوار للغافقي 3 / 1204 .

(3) أخرجه الفريابي في فضائل القرآن ( 177 ) .



بحث عن بحث