المقدمـــة

الحمد لله على كل حال، وأشكره على فضله المتوال، وأسأله جزيل النوال، والثبات في الحال والمآل، وأصلي وأسلم على خير الصابرين الشاكرين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن النفس الإنسانية آية من آيات الله، وسر من أسرار هذا الكون، ولم تصل الدراسات الحديثة إلى حقيقة هذه النفس وكنهها فضلاً عن القديمة منها، لذلك كان تعامل علماء النفس المعاصرين في الشرق والغرب مع هذا السر مبنيًا على مجرد نظريات ودراسات مادية تجريبية، فلم يقدروا أن ينقذوا مجتمعاتهم من الأمراض النفسية والعصبية التي تزداد عندهم يومًا بعد يوم، رغم توافر الأجهزة الطبية المتطورة، والخبرات العلمية العالية، والدعم اللامحدود من حكوماتهم ومؤسساتهم لهم، والسبب الأول والأخير لعدم وصولهم إلى نتائج قطعية هو انعدام الجانب الإيماني والعلم المبني على الوحي من الله تعالى عندهم.

وقد انتقلت هذه الأمراض النفسية إلى مجتمعاتنا الإسلامية وتفشت فيها بشكل واسع، عندما تخلى أبناؤها عن دينهم وضعف الوازع الإيماني في نفوسهم، فتمكن الشيطان منهم حتى صاروا أسارى لوساوسه وهمزاته، وتبعًا لما يمليه عليهم هواهم وشهواتهم، فاضطربت أركانهم النفسية وتزعزعت قوتهم وشوكتهم، ولو أجريت إحصائية دقيقة في مجتمعاتنا حول القلق النفسي والاضطراب العصبي لدى الناس لوجدنا العجب العجاب، من أن معظم الناس صاروا عرضة لهذه الأمراض ووساوس الشياطين

من أجل ذلك كانت هذه الدراسة الحديثية التي تعالج مشكلات الناس النفسية بدراسة بعض أسبابها الناتجة عن الحالة التي يمر بها الإنسان في حياته الدنيوية، وأثر ذلك على النفس والمجتمع، مثل حالة النعيم والبلاء التي يبتلى بها كثير من الناس، وتكون في كثير من الأحيان سببًا لأمراض النفس من الكبر والتعالي والعجب، وكذلك الضجر واليأس والقلق، فجاءت هذه الدراسة مستقاة من كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى، لتكون علاجًا ودواء للإنسان المبتلى بهذين الاختبارين، النعمة والبلاء، وهذا العلاج يعتمد على ركنين أساسيين للخلاص من الآفات التي قد تنجم عن النعمة والبلاء، وهما الشكر في حالة الرخاء، والصبر عند الشدة والبلاء، وقد بين عليه الصلاة والسلام أن الشكر والصبر من أسباب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ويدفعان بالمؤمن للعمل الدؤوب والتفاؤل المستمر، لعمارة الأرض وإقامة دين الله فيها، فلا يصيب المؤمن بطر أثناء النعمة، ولا سخط عند الابتلاء، لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت»( ).

فإذا تحلّى الناس بهذين الخلقين العظيمين فإن أحوالهم ستتبدل إلى الأفضل والأحسن في جميع النواحي النفسية والسلوكية والمعيشية، وحتى على مستوى المجتمعات وتطورها وتقدمها.

أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات وأن يجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات إنه سميع قريب مجيب.

وكتبه

فالح بن محمد بن فالح الصغير

الرياض   /   / 1424هـ

ص.ب 41961 الرياض 11531

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث