المقدمة

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد

فقد حث رب العزة عز وجل على الاعتبار بآثار الأمم السابقة وأحوالهم، فذكر في كتابه الكريم كثيرًا من أخبار الأنبياء والأمم والملوك الذين أخذت قصصهم شريحة كبيرة من آيات القرآن الكريم، مما يدل على الأهمية الكبيرة، والأثر العظيم لهذا القصص، وهذه الأخبار:

- قص الله على رسوله قصص السابقين في القرآن:

قال تعالى: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا)  [طه، آية: 99].

- وعقب على قصص الأقوام السابقين وما جرى لهم:

(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ )  [هود، آية: 100].

(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ )  [الأعراف، آية: 101].

- وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يقص على الناس القصص ليدفعهم إلى التفكر والاعتبار، فقال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ  )[الأعراف، آية: 175 – 177].

- وعقب على قصص الأقوام المعذبين الذين أصابهم العذاب نتيجة عصيانهم، محذرًا الذين يأتون بعدهم أن يفعلوا كفعلهم، فيصيبهم ما أصابهم فقال:

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ )  [غافر، آية: 21].

(وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ) [غافر، آية: 30- 31].

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )  [الحشر، آية: 2].

- وعقب على قصص الأنبياء الكرام صلوات الله عليهم بأنها تثبت الفؤاد، وتبعث الهمة، وتشد العزيمة؛ فقال: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [هود، آية: 120].

- وجعل في سماع قصص السابقين من الأنبياء وغيرهم عبرة وعظة، وفي ذلك يقول سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف، آية: 111].

يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته:

«اعلم أن فن التاريخ فن غزير المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا»(1).

ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز طائفة من الرسل والأنبياء ، وعددهم خمسة وعشرون نبياً ،  منهم  ثمانية عشر نبياً في أربع آيات متتاليات من سورة الأنعام وهي قوله تعالى:( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ(2) والسبعة الآخرون هم آدم وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.اهـ . ولا يعني ذكر هؤلاء الأنبياء في القرآن أنهم هم الذين نُبئوا أو أُرسل إليهم فقط من دون الناس . لا. ليس هذا المراد ، بل إن هناك  كثير من الأنبياء والرسل لا نعلمهم ولم يرد ذكرهم في القرآن قال تعالى:(  وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )(3)وتلك لحكمةٍ الله أعلم بها . وينصر ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد الخدري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إني خاتم ألف نبي وأكثر مابعث نبيٌ يتبع إلا وقد حذر أمته الدجال...الحديث ) (4)  وفي حديث أبي ذر قال: قلت يارسول الله كم المرسلون ؟ قال: ثلاث مائة وبضعة عشر جماً غفيراً ،وقال مرة خمسة عشر ..الحديث (5)  .

قال القاسمي : ثم اعلم أن قصص القرآن الكريم لا يراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص ، وإنما هي عبرة للناس، كما قال تعالى في سورة هود ، بعدما ذكر موجزاً من سيرة الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم : (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ...) إلخ ... وقال : وفي تلك القصص فوائد عظيمة، وأفضل الفوائد وأهم العبر فيها التنبيه على سنن الله تعالى في الاجتماع البشري، وتأثير أعمال الخير والشر في الحياة الإنسانية... إلخ  (6) 


(1) مقدمة ابن خلدون (ص9).

(2) الأنعام (83-86)

(3)  النساء 164

(4) رواه أحمد في مسنده في باقي مسند المكثرين (11343 ترقيم إحياء التراث) ، والحديث رواه البخاري في كتاب الحج ،ومسلم في الفتن وأشراط الساعة، والترمذي في الفتن ولكنهم لم يذكر قوله صلى الله عليه وسلم إني خاتم ألف نبي. الحديث.

(5) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم 21036

(6) تفسير القاسمي (1/74)



بحث عن بحث