قصة آدم عليه السلام (3)

 

 

إخراج الذرية من آدم عليه السلام:

عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم اللبن، ثم ضرب كتفه اليسرى، فخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي)(1).

وعن عبد الرحمن بن قتادة السلمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجلَّ خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره، وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر).(2)

وعن عبدالله بن الديلمي، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، فقلت: إنهم يزعمون أنك تقول: الشقي من شقي في بطن أمه؟ فقال: لا أحل لأحد يكذب عليَّ. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إن الله خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور، اهتدى، ومن أخطأ ضل )(3)، فلذلك أقول: جف القلم عن علم الله جل وعلا.

وعن هشام بن حكيم رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنبتدئ الأعمال أَم قد قضى القضاء؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أخذ ذرية آدم من ظهره ثم أشهدهم على أنفسهم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) ثم أفاض في كفة فقال: «هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار. أما أهل الجنة فميسرون لعمل أهل الجنة. وأما أهل النار فميسرون لعمل أهل النار )(4).

وهذا يدل على أن الأخذ بالأسباب هو من قدر الله تبارك وتعالى، وليس مناقضاً للقدر ولا منافياً له. وقد فقَّه الرسول صلى الله عليه سلم بمعنى القدر، وأنه لا يُوجبُ ترك العمل، بل يوجب الجد والاجتهاد فيه لبلوغه ما يطمح الإنسان في نيله وتحقيقه، فقد سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل إذا كانت الأعمال مقدرة مقضية جفَّ بها القلم، وفرغ منها رب العالمين، فقال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) (1 )وقرأ عليه السلام:( فَأَما مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَما مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) [الليل:5-10]. وقال بعض الصحابة الذين فقهوا عن الله ورسوله مراده لما سمع أحاديث القدر: ما كنت بأشدّ اجتهاداً مني الآن. إن الذي يفقه عن الله مراده في القدر يعلم أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال، بل يدفع إلى الجد والاجتهاد والحرص على تحصيل ما ينفعه في الدنيا والآخرة. والعقلاء من البشر يعلمون أنهم لا يستقلون بفعل ما يريدون، فكثير منهم تتهيأ له الأسباب، ثم يحال بينه وبين ما يشتهي وما يريد (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )[يونس:24]. يذكر اللالكائي أن رجلاً طلب من جاريته أن تسقيه، فجاءته بقدح من زجاج، فصبت له ماء، فوضعه على راحته، ثم رفعه إلى فيه، ثم قال: يزعم ناس أني لا أستطيع أن أشرب هذا، ثم قال: هي حرة إن لم أشربه (يعني جاريته التي صبت الماء) فما كان من الجارية إلا ضربت القدح بِردن قميصه، فوقع القدح وانكسر وأهرق الماء (2) .

فأثبتت الجارية لهذا المسكين أنه لا يقدر على كل ما يريد ما لم يقدره الله، وحررت نفسها من رق العبودية. وكم من ثري أو قوي أو مُقدّم قوم ظن أن الدنيا خضعت له وأعطته زمامها، وجد نفسه عاجزاً لا يستطيع أن يفعل شيئاً، قد يقعده عن فعل ما يشتهي عدو طاغ، أو مرضٌ مُقْعِدٌ، أو خيانة صديق. أو طمع محب ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) [سبأ: 54 [

أخذ الميثاق على ذرية آدم عليه السلام :

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بـ«نعمان» يوم عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ *أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) [الأعراف: 172، 173].

عرض ذرية آدم عليه السلام عليه حين خلق:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأُمم من ذريتك يقال له داود. فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زِده من عمري أربعين سنة، فلما قضى عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أَوَلَـمْ يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أَوَلَـمْ تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته»(5).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك»(6).

ويستفاد مما سبق :

1- ضرورة الأخذ بالأسباب مع عدم جواز الاعتماد عليها ومن ذلك العمل وترك الاعتماد على ما في الكتاب.

2- أن النسيان والخطأ جُبل عليه البشر من لدن آدم عليه السلام.

________________________________________

(1) أخرجه ابن عساكر (15/136/1)، وفي التهذيب (2/347، 348)، وأحمد وابنه عبد الله في زوائد المسند (6/441) وإسناده صحيح.

(2) أخرجه أحمد في المسند (4/186)، وابن سعد في الطبقات (1/30) (7/417)، والحاكم في المستدرك (1/31)، وقال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح كما قالا، وقال الهيثمي في المجمع (8/201): رواه الطبراني وإسناده جيد.

(3) أخرجه الترمذي برقم (2642)، والآجري في الشريعة (ص175)، واللالكائي في السنة (1077، 1079)، والبزار كما في كشف الأستار (2145)، والحاكم في المستدرك (1/30)، وابن أبي عاصم في السنة (241، 242، 243، 244)، وأحمد في المسند (2/176، 197) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (7/193 – 194)، رواه أحمد بإسنادين والبزار والطبراني ورجال أحد إسنادي أحمد ثقات.

(4) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/2/191 – 192)، والطبراني في الكبير (22/168) رقم (434)، والبزار كما في الكشف (2140)، والطبري في التفسير (15377، 15378)، والآجري في الشريعة (ص 172)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 326)، وقال الهيثمي (7/186): رواه البزار والطبراني وفيه بقية ابن الوليد وهو ضعيف ويحسن حديثه بكثرة الشواهد وإسناد الطبراني حسن.

قلت وقد صرح بقية بالتحديث فزالت شبهة التدليس.

(5) أخرجه الترمذي برقم (3076)، وابن سعد في الطبقات (1/28)، وابن أبي عاصم في السنة (204)، وابن حبان كما في الموارد (2082)، والحاكم في المستدرك (2/325)، والبيهقي في السنن (10/147)، وقال الترمذي: حسن صحيح، والحديث صحيح.

(6) أخرجه البخاري رقم (3334، 6538، 6557)، ومسلم برقم (2805).



بحث عن بحث