قصة آدم عليه السلام (5)

 

 

مدة مكث آدم عليه السلام في الجنة:

في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:( ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس )(1)

سبب خروج آدم عليه السلام من الجنة:

جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وهو حديث الشفاعة الطويل» قوله عليه السلام: «... فيقولون يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟

فيقول آدم: إن ربي قد غضب ا ليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح...» (2) الحديث.

حياء آدم عليه السلام من الله بعد ما عصى وأكل من الشجرة:

من حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن آدم كان رَجُلًا طُوَالًا كأنه نخلةٌ سحوق كثير شعر الرأس، فلما ركب الخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها قبل ذلك، فانطلق هاربًا في الجنة، فتعلقت به شجرة، فقال لها: أرسليني، فقالت: لست بمرسلتك. قال: وناداه ربه: يا آدم أمني تفر؟ قال: رب إني استحييتُكَ)(3) .

تزويد آدم بثمار الجنة حين أخرج منها:

حديث أبي موسى الأشعري قال: ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تغير، وتلك لا تغير)(4) .

بكاء آدم عليه السلام على ذنبه حين أنزل من الجنة:

من حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لو أن بكاء داود عليه السلام وبكاء جميع أهل الأرض يعدل ببكاء آدم ما عدله)(5) .

توبة آدم عليه السلام (فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه):

من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه ) قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: أي رب ألم تنفخ فيَّ من روحك؟ قال: بلى. قال: أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: أرأيت إن تبت وأصلحت؛ أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. قال: فهو قوله ( فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه ) [البقرة: 37[.

فوائد مما سبق:

لا تعارض بين قضاء الله تعالى بخلق آدم عليه السلام لخلافة الأرض ، وبين قضائه عز وجل قصة الشجرة والإغواء ، فقد كانت حادثة أكله عليه السلام من الشجرة ونزوله إلى الأرض بعدها سببا مباشرا لتحقيق القضاء الأول بخلق آدم عليه السلام لعبادة الله وخلافة الأرض في طاعة الله تعالى ؛ فإن الله تعالى إذا قضى الشيء ، قضى له أسبابه الموصلة إليه ؛ فلا تعارض بين القضاء السابق ، وبين الأسباب الحسية أو الشرعية .

وقد كان لهذا السبب – قصة الأكل من الشجرة – حكم عظيمة جليلة الله أعلم بها ، ولكن يمكننا تلمس بعضها فيما يبدو لنا ، فمن ذلك :

1_ بداية التكليف : وذلك حين نهى الله عز وجل آدم عليه السلام من الأكل من الشجرة ، فابتدأ التكليف من حينئذ ، ليكون ذلك مقدمة للتكليف الذي يريده الله لبني البشر كلهم من خلال الشرائع التي أرسل الرسل بها .

2_ معرفة العدو الحقيقي : الذي هو الشيطان الرجيم ، فقد كان سببا في خسارة نعيم الجنة لبني البشر في الدنيا ، وتأجيل ذلك للمؤمنين منهم إلى الآخرة ، فإذا رأى بنو آدم ما بلغه الشيطان بأبيهم عليه السلام بسبب أكلة واحدة من الشجرة ، أدركوا أن ذلك هو عدوهم الذي يستحق العداوة ، وأن الله تعالى هو وليهم الذي يستحق الطاعة والعبادة . قال الله تعالى : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) ]سورة يس/60-62[وقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ]فاطر/6 [.

3_ تقرير مفهوم التوبة : ففي مسارعة آدم عليه السلام إلى التوبة والإنابة والاستغفار تعليم لجميع بني البشر بما ينبغي أن يكونوا عليه إذا زلوا أثناء ممارستهم خلافة الأرض ، فباب التوبة مفتوح ، والله سبحانه وتعالى يحب من عباده إذا أذنبوا أن يستغفروا ويتوبوا ، ولولا قصة الشجرة والغواية لما استقر مفهوم التوبة في قلوب البشر تقررا تاما.

يقول القرطبي رحمه الله:

لم يكن إخراج الله تعالى آدمَ من الجنة وإهباطه منها عقوبة له ؛ لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته , وإنما أهبطه إما تأديباً , وإما تغليظاً للمحنة .

والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك , وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويترتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي , إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف , فكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة ، ولله أن يفعل ما يشاء , وقد قال : (إني جاعل في الأرض خليفة)، وهذه منقبة عظيمة , وفضيلة كريمة شريفة , وقد تقدمت الإشارة إليها مع أنه خلق من الأرض ، وإنما أهبطه بعد أن تاب عليه ، لقوله ثانية : ( وقلنا اهبطوا )

_________________

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/542)، وابن سعد في الطبقات الكبرى مطولًا (1/34 – 36)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2) رواه البخاري (4435) ومسلم (501(

(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/31)، والحاكم في المستدرك (2/543 – 544)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وعزاه السيوطي في الدر (1/54) لابن إسحاق في المبتدأ وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور – انتهى.

(4) أخرجه البزار كما في الكشف (2344) (3/102)، وقال الهيثمي في المجمع (8/197): رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

وأخرجه الحاكم (2/543) موقوفًا وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وزاد السيوطي عزوه في الدر (1/51) لابن أبي حاتم وابن جرير والبيهقي في البعث موقوفًا على أبي موسى وصححه أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري برقم (537) .

(5) قال الهيثمي في المجمع (8/201): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

(6) الجامع لأحكام القرآن " (1/321)



بحث عن بحث