آداب تلاوة القرآن الكريم (5-6)

 

1/تدبره وتفهمه وتعقل معانيه:

فينبغي قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ، قال تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } [ ص: 29] .‏

والمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض معانيه ، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قَبُح ، فما حذّره مولاه حَذِره ، وما خوّفه به من عقابه خافه ، وما رغّب فيه مولاه رَغِب فيه ورجاه .‏

‎‎ولا يحصل ذلك إلا بحضور القلب ، والخشوع، والتدبر للمقروء ، ‏وأن يقرأ القرآن جالساً متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه ، وأن يُحضر قلبه الحزن عند القراءة، وأن يتباكى ، وأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في ذلك ، قال تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد } [ الزمر: 23] .‏

وقد ذم الله - عز وجل- من استمع القرآن فلم يخشع له قلبه فقال: { أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون } [ النجم: 59-60] . ‏  

وقراءة القرآن بتدبر وحضور قلب ، والتأثر بمعاني القرآن الكريم هذا شأن أهل العلم قديما وحديثا ، قال تعالى:{ قُل آمنوا بِه أَو لا تؤمنوا إِن الذين أُوتوا العلم من قَبله إِذا يتلى عليهِم يخرون للأذقَان سجّداً. ويقولون سبحان ربِنا إِن كان وعد ربّنا لَمفعولاً. ويخرّون للأذقان يبكون ويزِيدهم خشوعا ً} [الإسراء107-109] .

وقراءة القليل مع التدبر والتفكر فيه أفضل من قراءة الكثير من غير تدبر ولا تفكر.    

قال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ثلاث ؟ فقال ابن عباس: لأَن أقرا البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إليّ من أن اقرأها كما تقرأ. رواه البيهقي  ‏2/396 .

 

2/ تعليمه وإقراؤه للناس:‏

تعليم القرآن لمن لا يعلمه من أفضل القربات والطاعات ، وقد رتَّب الله - عز وجل- عليه الأجر الكثير ، وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم- على معلِّم القرآن ، وجعله خير الناس وأفضلهم ، قال - صلى الله عليه وسلم-: ( خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ).

 رواه البخاري (5027) .

‎‎وقد تسابق أهل الخير والصلاح إلى هذا الفضل ، فبنوا المدارس لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وأنفقوا الأموال الطائلة لتسهيل تعلم القرآن، وحفظه على الناس، وتيسير سبله .‏ ‎‎وقد هيأ الله - سبحانه وتعالى- في كل عصر، وفي كل مصر من يحمل لواء تعليم القرآن الكريم وتدريسه ، مصداقاً لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] . وهذا مظهر من مظاهر حفظه.‏

 

3/ العمل به واتباع أوامره واجتناب نواهيه:

إن المقصود الأهم من إنزال القرآن الكريم هو العمل به ، وذلك باتباع ما يأمر به ، واجتناب ما ينهى عنه.‏ فلا ينتهي الأمر عند القراءة والحفظ، بل لابد من العمل به، قال تعالى: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } [ الزمر : 55 ] . وقال تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[ الأنعام: 155] .

وفي صحيح البخاري من حديث رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم - الطويل - : ( قالا انطلق فانطلقنا، حتّى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر، أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتّى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه . قلت: من هذا؟ قالا: انطلق - ثم فسّرا له ذلك فقالا: -والّذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علّمه اللّه القرآن فنام عنه باللّيل، ولم يعمل فيه بالنّهار ، يفعل به إلى يوم القيامة ). رواه البخاري (1386) . 

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول من يعمل بالقرآن، سئلت عائشة - رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت للسائل: ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن . رواه مسلم (746) .

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه-: كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن. رواه الطبري في مقدمة التفسير 1/ 80 وصححه أحمد شاكر.

فلا يليق بالمسلم أن يقيم حروف القرآن، ويضِّيع أحكامه وحدوده. لأنه بذلك يتعرّض لسخط الله وغضبه.‏

‎‎وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( عبد الله بن حبيب ): حدثنا الذين كانوا يقرؤنا أنهم كانوا يستقرؤن من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً . رواه الطبري في تفسيره 1/ 80، وصححه أحمد شاكر.

 

 

 

 



بحث عن بحث