الحلقة : ( 39 )  أدب الجــــــــــوار

لقد كان العرب وهم في جاهليتهم يتفاخرون بحسن الجوار وإكرام الجار، ورعاية حقوقه وصون حرماته، وكف الأذى عنه،حتى قال قائلهم:

ناري ونار الجار واحدة  وإليه قبلي ينزل القدر 

ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبابه ستر 

أعمى إذا ما جارتي برزت  حتى يواري جارتي الخدر(1)

ويقول العجير السلولي:

يَبِين الجار حين يبين عني  ولم تأنس إليَّ كلاب جاري 

وتظعن جارتي من جنب بيتي  ولم تستر بستر من جدار 

وتأمن أن أطالع حين آتي عليها وهي واضعة الخمار 

كذلك عهد آبائي قديماً  توارثه النّجَار عن النجار(2)

ويقول الآخر :

وأَغُضُّ طَرْفي ما بَدَتْ لي جارتي  حتى يُوَارِي جارَتي مَأْوَاها(3)

والقصص والقصائد لهم في هذا الباب كثيرة ، ولما جاء الإسلام أكَّد على هذا الأمر وحث عليه ورتب عليه الأجور العظيمة ، وقد حفلت السنة النبويةواستفاقت بنصوص كثيرة توصي بالجار، وتؤكدحقه، وتأمر بإكرامه والإحسان إليه، والوصاية به وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلته، وغض البصر عن محارمه،وتتوعد على إيذائه وعقوقه والإساءة إليه .

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ وابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»(4)

لذا كان حسن الجوار من أوليات دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم.

فمما ورد في إجابة الصحابة للنجاشي في هجرتهم إلى الحبشة لما سألهم بما يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا :

«..وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ... » الحديث(5).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»(6) وفي رواية: «فليحسن إلى جاره»(7).

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحب لنفسه»(8).

وعَنْأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»(9).

هذه الأحاديث بعضا مما ورد في هذا الباب ، وللحديث بقية بإذن الله في الحلقة القادمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشعر والشعراء (1/ 545 )   ، الإستذكار (8/ 367) .

(2) الأغاني (13/ 81).

(3) ديوان عنترة، ص 308 .

(4) أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم: (6014) ،(6015 ) ( كتاب الأدب ، باب : الوصاة بالجار    ) ، ومسلمفي صحيحه برقم: (2624)، (2625 ) .

(5) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (4 / 20) برقم: (2260) والبيهقي في "سننه الكبير" (9 / 9) برقم: (17807) ، (9 / 143) برقم: (18494) وأحمد في "مسنده" (1 / 438) برقم: (1764) ، (10 / 5299) برقم: (22934) والطبراني في "الأوسط" (7 / 258) برقم: (7440)  .

(6) أخرجه البخاري في صحيحه ،كتاب الأدب باب : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (ح 6019 ) ،وفي الأدب المفرد ( ح 741 ) ، ومسلم في صحيحه ،كتاب الإيمان ( ح 47 ) .

(7) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( ح 102 ) ، ومسلم في صحيحه ( كتاب الإيمان ،ح 47 ، 48 ) .

(8) أخرجه مسلم ( كتاب الإيمان ، ح 45 ) .

(9) أخرجه البخاري في "صحيحه" (8 / 10) برقم: (6016) ( كتاب الأدب ، باب : إثم من لا يأمن جاره بوائقه )

، ومسلم في "صحيحه" واللفظ له : (1 / 49) برقم: (46) ( كتاب الإيمان ).



بحث عن بحث