آداب الدعاء (5)

 

                                                    

ومن آداب الدعاء أيضاً :  

 20. أن يتحرى أوقات الإجابة ويترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من الليل ، قال تعالى:   ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)سورة الذاريات الآية : 18

ويبادر باغتنام الأحوال الشريفة والأماكن التي هي من مظان إجابة الدعاء كحال السجود والصيام والسفر ولقاء العدو وعند نزول الغيث وبين الأذان والإقامة .

ومن أدلة ذلك في السنة :         

الدعاء في ثلث الليل الآخر : عن أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء والدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ! من يسألني فأعطيه! من يستغفرني فأغفر له! )(1) .                             

في السجود : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )(2) .                                                   

ولعل الحكمة في قرب العبد الساجد من ربه ، أن يقال : لما كانت هيئة السجود فيها من مظاهر العبودية والخضوع والذل والافتقار ما ليس في غيرها من الهيئات والأحوال ، وكان الساجد واضعاً جبهته على الأرض على مواطئ الأقدام – لا يبالي بذلك – وهو على تلك الحال من الذل والافتقار والعبودية أن يكون  هذا الساجد الداعي قريب من ربه ، مجاب دعوته . والله أعلم  .

بين الأذان والإقامة : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ) (3).  

في الساعة المستجابة يوم الجمعة : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : ( فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي ، يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ، وأشار بيده يقللها ) (4) .

الدعاء يوم عرفة : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء) (5) .

الدعاء عند الصفا والمروة : لما دنا النبي صلى الله عليه وسلم من الصفا – في حجة الوداع - قرأ  (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ) " ثم قال : أبدأ بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقى عليه . حتى رأي البيت فاستقبل القبلة . فوحد الله ، وكبره . وقال : " لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك . قال مثل هذا ثلاث مرات . ثم نزل إلى المروة ...  حتى أتي المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا "(6)     

الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى للحاج : روى سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ثم يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا فيدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا فيدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ويقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل(7) .

21. استحباب الإتيان بجوامع الدعاء :

وأجمع الدعاء ما كان في القرآن والسنة ، فالقرآن كلام الله ، أشرف كلام وأعلاه ، والسنة وحي أوحى الله به إلى نبيه ، فهو صلى الله عليه وسلم  قد أوتي جوامع الكلم . ولا نشك أن من دعا بما ورد في القرآن والسنة يكون أقرب إلى الإجابة ممن دعا بغير الكتاب والسنة . والأدعية القرآنية والنبوية كثيرة جداً يصعب حصرها ولكن نذكر بعضها لنرى كيف جمعت كل خير ، واستعاذت من كل شر . منها : قوله تعالي (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) سورة البقرة آية : 201 وقوله : (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) سورة الفرقان آية :  74 وقوله : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) سورة الأعراف آية : 74 .

ومن ذلك دعوة ذي النون عند الكرب . روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له "(8) .

   وكقوله في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : قل : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم ) (9) . والأمثلة على ذلك كثيرة .

22. استحباب ختم الدعاء بما يناسب طلب الداعي :

وذلك أبلغ في الدعاء واجمع له . كقوله تعالى : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) سورة آل عمران آية : 8 . فلما كان سؤال الداعي أن يهب الله له من لدنه رحمة ، ناسب أن يختم الدعاء بوصف المولى بأنه هو الوهاب . ومثله قوله تعالى : ( رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ )سورة آل عمران آية 194 . ولما كان سؤال المؤمنين لربهم أن يأتيهم ما وعدوا على لسان رسله وأن لا يخزيهم يوم  القيامة ، ناسب أن يختم الدعاء بوصف الله أنه صادق في وعده وقوله حق فقالوا : (إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ). ومثله قوله تعالى – حكاية عن قول عيسى عليه السلام – لما سأله إنزال مائدة من السماء : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) سورة المائدة آية : 114 فناسب أن يختم الدعاء بأن الله هو خير الرازقين .

والداعي يستحب له أن يختم دعاءه بما يناسب طلبه ، فإن سأل الولد فيختم دعاءه – مثلاً – بأن الله هو الوهاب الرازق . وإن سأل غفران الذنوب فليختم دعاءه بأنه هو الغفور الرحيم ، وإن سأل المال

فليختم دعاءه بأنه هو الرازق الجواد الكريم . وهكذا .


(1) رواه البخاري (1145) واللفظ له ، ومسلم (758) .                 

(2) رواه مسلم (482)  .                  

(3)  رواه أحمد ( 11790) ، وأبو داود (521) ، والترمذي (212) وقال : حديث حسن صحيح   .

(4) رواه البخاري (935) ومسلم (852)  .

(5) رواه مسلم (1348) .                     

(6) رواه مسلم من حديث جابر (1218) .

(7) رواه البخاري (1753)  .

(8)  رواه الترمذي (3505 ) ، وأحمد 1/170 وقال محققو المسند :  إسناده حسن . (انظر مسند أحمد 3/66) ط . مؤسسة الرسالة .

(9) رواه البخاري (834) ، ومسلم (2705) .

 

 

 



بحث عن بحث