آداب الدعاء (4)

 

 

ومن آداب الدعاء أيضاً :  

16. التوسل بالأعمال الصالحة عند الدعاء من أسباب إجابة الدعاء :

كالصلاة والزكاة والصدقة والصلة ونحوها من القرب التي تجلب محبة الله للعبد وتقربه منها ، فمحبة الله للعبد تعني رضاه عنه وتأييده ونصره واستجابة دعائه . وغضب الله على العبد تعني رد دعائه وخذلانه والسخط عليه . فإذا صلى العبد ثم دعا ، أو صام ثم دعا ، أو وصل أرحامه ثم دعا ، كان ذلك أقرب لاستجابة دعائه وقبوله منه ، فيسأل الداعي ربه ويتوسل إليه بأعماله الصالحة ، ويقدمها بين يدي الدعاء . ويدل على هذا قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار ولم يستطيعوا الخلاص ، فقال بعضهم لبعض : ( انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعل الله يفرجها ) ولفظ أحمد ( فليدع كل رجل بأحسن ما عمل لعل الله أن ينجينا من هذا )(1) .

ثم قدم كل واحد منهم أرجى عمل صالح له ثم دعا ربه ، فاستجاب الله لهم وخلصهم مما هم فيه وأنجاهم من الهلاك.      

ومن أعظم هذه الأسباب التي بها يستجاب الدعاء بر الوالدين ، فهو من أعظم الأعمال الصالحة التي يفعلها المسلم ، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على بيان فضله وآثاره الحميدة . ولذا كان البار بوالديه أو أحدهما موفقاً للخير دائماً ، محبوباً عند الناس لما وضع الله في قلوب العباد من محبته وهو مع ذلك قريب جداً من تحقق إجابة دعائه . روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يأتي عليكم أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له وله والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ... )(2) . وكذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق - في قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار - فقال أحدهم : ( اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وإنه ناء بي الشجر فيما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ، ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء ... الحديث "(3) .  

17. الإكثار من نوافل العبادات بعد الفرائض من أسباب إجابة الدعاء :

كثرة نوافل العبادات بعد الفرائض كصلاة النافلة ، وصوم التطوع ، والصدقات المستحبة ، ونحوها من نوافل العبادات تؤدي إلى إجابة دعاء هذا المتقرب إلى ربه بالنوافل بعد الفرائض . ومصداق ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قال : من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته )(4) .

18. تحريم الاعتداء في الدعاء :

قال تعالى : (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  ) سورة الأعراف آية : 55 .

والاعتداء في الدعاء مانع من قبول وإجابة مطلوب الداعي ، لأن الداعي سأل ما لا يجوز له سؤاله فكان معتدياً ، والمعتدي غير محبوب من ربه بعيد من إجابة دعائه . قال ابن تيمية رحمه الله : وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات . وتارة يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية : من الحاجة إلى الطعام والشراب . ويسأله بأن يطلعه على غيبه ، أو أن يجعله من المعصومين ، أو يهب له ولداً من غير زوجة ، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ، ولا يحب سائله . وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضاً في الدعاء ...(5) .

19. أن لا يتكلف السجع في الدعاء ؛ لأنَّه لا يلائم الضراعةَ والذلَّة والخشوع المطلوب في الدعاء ، والمكروه منه هو المتكلَّف، وما كان من السجع في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فهو محمول على السجع غير المتكلف ، قال ابن حجر : ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد : ( اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، هازم الأحزاب )(6)            

والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته ، فما كل أحد يحسن الدعاء

وفي حديث ابن عباس لعكرمة قال : ... فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فإن عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب(7)  .    


(1) رواه البخاري (5974) ، ومسلم (2743) ، وأحمد (5937) .

(2)  رواه مسلم ( 2542 ) .

(3) رواه البخاري (5974) واللفظ له ، ومسلم (2743) .             

(4) رواه البخاري (6502) .

(5) الفتاوي (15/22 ) .

(6) فتح الباري (11/143) .

(7) رواه البخاري (6337) .                                        

 

 



بحث عن بحث