آداب الدعاء (2)

 

 

ومن آداب الدعاء أيضاً :  

7. رفع اليدين ، عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) . رواه أبو داود (1).

كما يدل على استحباب رفع الأيدي في الدعاء حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه السابق وفيه: (ثم مد يديه )، وكذا فعل ا بن عمر رضي الله عنهما فإنه كان يرفع يديه مستقبل القبلة بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى وكان يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول: ( هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)(2)

   ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطَى ، روى أبو داود (1486) عن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا ) (3)،.  

  وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة ؟  

نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/25) أنها تكون مضمومة . ونص كلامه : " وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء " انتهى .  

8. حضور القلب من أسباب قبول الدعاء: حضور قلب الداعي، من الأسباب التي تقرب من إجابة دعائه، وعموم النصوص تدل على ذلك كقوله تعالى:( ادعو ربكم تضرعاً وخفية) سورة الأعراف 55. وقوله: ( وادعوه خوفاً وطمعا) سورة الأعراف 56 . ، فإن الدعاء بتضرع وخفية وخوف وطمع يستلزم - ولا بد – حضور قلب الداعي، وهو ظاهر. أما حديث: (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غاف لاه ) (4) ، فإنه ضعيف ، قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفيه صالح بن بشير البصري الزاهد المعروف بصالح المري ، وهو منكر الحديث كما قال البخاري.

9. الإكثار من المسألة ، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة ، والإلحاح في الدعاء ، وعدم استعجال الاستجابة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ : يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) (5) متفق عليه.

فعليه أن يواصل الدعاء وأن يُلح فيه ، فالله عز وجل يحب الملحين في الدعاء ، فإذا تأخرت الإجابة فربما كان تأخيرها خيراً للعبد وهو لا يدري ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مامن مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث :إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا: إذاً نكثر ، قال الله أكثر) (6)   الله أكثر- أي: فضل الله وعطاياه لا تحد وكنوزه لا تنفذ، فهو واسع الجود واسع الرحمة.

10. الجزم في الدعاء وأن يوقن بالإجابة ويصدق رجاءه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ ) (7) متفق عليه.

11. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة ، قال الله تعالى : (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف/55)، وقال : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/90 )، وقال : (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) (سورة الأعراف آية :205) .  

12. الدعاء ثلاثاً ، روى البخاري (240) ومسلم (1794) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : ( بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، قَالَ : فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ . وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ - وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا - ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ - وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ - فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ) رواه البخاري (240) ومسلم (1794) .  

13. إطابة المأكل والملبس ، روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) رواه مسلم (1015) قال ابن رجب رحمه الله : فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا.هـ .  


 

(1) سنن أبي داود : كتاب الوتر ، باب الدعاء برقم ( 1488 ) والترمذي (3556) وابن ماجه (3865) وأحمد  5/438 وغيرهم ، والصواب فيه الوقف على سلمان رضي الله عنه، وله شواهد من حديث جابرعند أبي يعلى والطبراني في الأوسط، ومن حديث أنس عند الحاكم فلعل أحدهما يعضد الآخر فيحسن الحديث بمجموعهما.  ويؤيده حديث أبي هريرة عند مسلم وفيه: ( .. يمد يديه إلى السماء : يا رب، يا رب ..).  

(2)  رواه البخاري(1751).

(3) سنن أبي داود : كتاب الوتر ، باب الدعاء برقم (1486)

(4) رواه اترمذي

(5) صحيح البخاري : كتاب   ، باب    برقم (6340).

(6) رواه أحمد في مسنده3/ 18وصحيح مسلم : كتاب ، باب برقم (2735).

(7) صحيح البخاري : كتاب   ، باب   برقم (6339).  وصحيح مسلم : كتاب ، باب برقم (2679).

 

 

 

 



بحث عن بحث