الجامع الصحيح للإمام البخاري(10-20)

 

المعلقات في صحيح البخاري:

المعلق من المرفوعات  على قسمين :

1-( الموصول في الصحيح)  ما يوجد في موضع آخر من كتابه هذا موصولاً ، يورده معلقاً  مع أنه  قد ورد موصولاً في صحيحه حيث يضيق مخرج الحديث إذ من قاعدته أنه لا يكرر إلا لفائدة فمتى ضاق المخرج واشتمل المتن على أحكام فاحتاج إلى تكريره فإنه يتصرف في الإسناد بالاختصار خشية التطويل

2-( غير الموصول ) ما لا يوجد فيه إلا معلقاً فإنه على صورتين :

أ-( بصيغة الجزم ) كـ( قال ) و(  ذكر ) 

حكمه : يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه،  لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث فمنه ما يلتحق بشرطه ومنه ما لا يلتحق.

 أما ما يلتحق فالسبب في كونه لم يوصل إسناده ، إما لكونه أخرج ما يقوم مقامه فاستغنى عن إيراد هذا مستوفي السياق ولم يهمله ، بل أورده بصيغة التعليق طلبا للاختصار ، وإما لكونه لم يحصل عنده مسموعا ، أو سمعه وشك في سماعه له من شيخه ، أو سمعه من شيخه مذاكرة فما رأى أن يسوقه مساق الأصل ، وغالب هذا فيما أورده عن مشايخه ، فمن ذلك أنه قال في كتاب الوكالة : قال عثمان بن الهيثم ، حدثنا عوف حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال : ( وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة رمضان ... الحديث بطوله ) . وأورده في مواضع أخرى منها في فضائل القرآن، ، وفي ذكر إبليس ، ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان ، فالظاهر أنه لم يسمعه منه .

وقد استعمل المصنف هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث ، فيوردها عنهم بصيغة قال فلان ، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم .....

وأما ما لا يلتحق بشرطه فقد يكون صحيحا على شرط غيره ، وقد يكون حسنا صالحا للحجة ، وقد يكون ضعيفا لا من جهة قدح في رجاله ، بل من جهة انقطاع يسير في إسناده ... والسبب في إيراده أنه أراد أن لا يسوقه مساق الأصل

فمثال ما هو صحيح على شرط غيره قوله في الطهارة وقالت عائشة : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) وهو حديث صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في صحيحه .

ومثال ما هو حسن صالح للحجة قوله فيه : وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : ( الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) وهو حديث حسن مشهور عن بهز أخرجه أصحاب السنن

ب-( بصيغة التمريض )  كـ ( قيل ) و ( روي )  

حكمه : لا يستفاد منها صحة ولا ضعف  إلى من علق عنه . 

فمنه  ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح .

وذكر ابن حجر أن ما هو صحيح  لم  يجد فيه ما هو على شرطه إلا مواضع يسيره جداً   ، قال : ووجدناه لا يستعمل ذلك إلا حيث يورد ذلك الحديث المعلق بالمعنى .

وأما ما لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة :

أ- فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه

ب-ومنه ما هو حسن ومنه ما هو ضعيف فرد إلا أن العمل على موافقته

ج-ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له .

فمثال الأول أنه قال في الصلاة :  ويذكر  عن عبد الله بن السائب قال : ( قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع  ) وهو حديث صحيح على شرط مسلم أخرجه في صحيحه إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته

وقال في الصيام  : ويذكر  عن أبي خالد عن الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قال قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين . الحديث ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح إلا أن فيه اختلافا كثيرا في إسناده وقد تفرد أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر بهذا السياق وخالف فيه الحفاظ من أصحاب الأعمش

ومثال الثاني وهو الحسن : قوله في البيوع  ويذكر  عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل ) .

وهذا الحديث قد رواه الدارقطني من طريق عبد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان به ، وله طرق .

ومثال الثالث : وهو الضعيف الذي لا عاضد له إلا أنه على وفق العمل قوله في الوصايا  :  ويذكر  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدين قبل الوصية .

وقد رواه الترمذي موصولا من حديث أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي،  والحارث ضعيف ، وقد استغربه الترمذي ثم حكى إجماع أهل العلم على القول به.

ومثال الرابع : وهو الضعيف الذي لا عاضد له وهو في الكتاب :

أ‌- قليل جداً .  

ب ــ وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف بخلاف ما قبله

فمن أمثلته قوله في كتاب الصلاة  : ويذكر  عن أبي هريرة رفعه : " لا يتطوع الإمام في مكانه " ولم يصح .

وهو حديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة .  وليث بن أبي سليم ضعيف وشيخ شيخه لا يعرف وقد اختلف عليه فيه  .

ثم ذكر الحافظ ابن حجر  عن النووي اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على اعتبار  التفريق بين ( صيغ الجزم و صيغة التمريض ) وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح .

قال : وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم واشتد إنكار البيهقي على من خالف ذلك وهو تساهل قبيح جداً من فاعله إذ يقول :

في الصحيح ( يذكر، ويروي) وفي الضعيف ( قال)  (وروى ) وهذا قلب للمعاني وحيد عن الصواب .

قال : وقد اعتنى البخاري رحمه الله باعتبار هاتين الصيغتين وإعطائهما حكمهما في صحيحه ، فيقول في الترجمة الواحدة بعض كلامه بتمريض وبعضه بجزم مراعياً ما ذكرنا وهذا مشعر بتحريه وورعه .

وعلى هذا فيحمل قوله : ( ما أدخلت في الجامع إلا ما صح ) أي مما سقت إسناده والله تعالى أعلم  (1) اهـ . 


 (1)  ــ انظر : هدي الساري ( 1 / 29 ــ 34 ) .

 



بحث عن بحث