الجامع الصحيح للإمام البخاري(1-20)
 
التعريف بالإمام البخاري :
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم ، شيخ الإسلام وإمام الحفاظ ، أمير المؤمنين في الحديث ، كان مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة ، ومات سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة.
وإذا كانت هناك صفات ينبغي أن تتوافر في أئمة الحديث ونقده ، وأهمها :
1 - حفظهم للحديث ، صحيحه وسقيمه ، وتمييز هذا من ذاك .
2- أنهم من العلماء والفقهاء بالسنن والآثار .
3 - أن لهم معرفة واسعة برواة الآثار ، معرفة تمكنهم من الحكم عليهم ومعرفة العدول منهم من المجروحين .
4 - توافر التقوى فيهم والورع والزهد وطهارة الخلق وصفاء النفس .
5 - أنهم من الذين يجهرون بالحق ، لا يخافون في الله لومة لائم عند السلطان أو المنحرفين عن الدين من ذوي البدع .
6 - أنهم أصحاب عقل سديد ، ومنطق حسن ، وبراعة في الفهم (1).
إذا كان الأمر كذلك فقد توافر بحمد الله تعالى للإمام البخاري كل هذا ، كما تترجم عنه السطور التالية من حياته :
أولا : حفظ الإمام البخاري القرآن الكريم كله ، وشيئا من الحديث النبوي الشريف ولما يتجاوز العاشرة من عمره ، وبعدها خرج إلى شيخ الحديث يكتب عنهم ويسمع منهم ، ولم يبلغ الحادية عشرة من عمره حتى كانت له معرفة بالحديث تمكنه من مراجعة الشيوخ الكبار وبيان أخطائهم .     يقول الإمام البخاري مؤرخا لهذه الفترة من حياته ــ فيما يرويه عنه ــ وراقه محمد بن أبي حاتم الوراق قال : " سمعت البخاري يقول : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب . قلت : وكم أتى عليك إذ ذاك ؟ فقال : عشر سنين أو أقل ، ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره ، فقال يوما فيما كان يقرأ للناس : " سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم " فقلت : إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم ، فانتهرني ، فقلت له ارجع إلى الأصل إن كان عندك ، فدخل فنر فيه ، ثم رجع فقال : كيف هو يا غلام  فقلت : " هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم " فأخذ القلم ، وأصلح كتابه ، وقال لي : صدقت . قال : فقال له إنسان : ابن كم حين رددت عليه  فقال : ابن إحدى عشرة سنة "(2)
ثانيا : وازدادت معرفة الإمام البخاري بالحديث رواية ودراية ، يساعده على ذلك ملكته الحافظة ، ورحلاته العديدة إلى مدن العالم الإسلامي ، كي يسمع من شيوخها ويكتب عنهم بعد أن سمع من الشيوخ في موطنه وحفظ ما عندهم من الحديث .
وبدأ رحلاته بمكة المكرمة ليلتقي هناك بكثير من العلماء في موسم الحج ، ثم رحل بعد ذلك إلى بغداد ، والبصرة ، والكوفة ، والمدينة ، والشام ، وحمص ، وعسقلان ، ومصر ، وبعض هذه البلاد رحل إليه أكثر من مرة ، حتى يستقصي ما عند شيوخه من الحديث كتابة وسماعا .
يقول : " دخلت إلى الشام ، ومصر ، والجزيرة مرتين ، وإلى البصرة أربع مرات ، وأقمت بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين "(3)
وكانت له همة عالية وإخلاص وافر في تحصيل العلم  وتدوينه ، يؤثره على نومه وراحته ، فقد روي أنه كان يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه ويكتب الفائدة تمر بخاطره ، ثم يطفئ سراجه . وقد يفعل ذلك قريبا من عشرين مرة في الليلة الواحدة .(4)
ثالثا : وكانت نتيجة هذا كله الإلمام الواسع بالأحاديث صحيحها وسقيمها ، وبجميع الرواة العدول منهم والمجروحين ، فحفظ في سن مبكرة كتب إمامين كبيرين من أئمة الحديث ، وهما عبد الله بن المبارك و وكيع بن الجراح (5) ، وكان ذلك في السادسة عشرة من عمره ، وفي الثامنة عشرة كان قد بلغ درجة من العلم في فقه الصحابة تمكنه من التصنيف فيه .     يقول : " لما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك و وكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، يعني أصحاب الرأي ، فلما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين(6).
ويقول مبينا مدى معرفته بأحاديث الصحابة والتابعين : " لا أجئ بحديث عن الصحابة والتابعين غلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين ــ يعني من الموقوفات ــ إلا وله أصل أحفظ عن كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم "(7)
رابعا : ولم يكن البخاري جماعا للعلم الكثير دون تريث ، وإنما كان ينتقي رجاله ، ويستوثق من أحاديثهم .
يقول : " لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء ، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه ، وكنيته ، ونسبته ، وحمل الحديث إن كان الرجل فهما ، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلىَّ أصله ، ونسخته ، أما الآخرون فلا يبالون بما يكتبون " (8)     
 

(1) - راجع صفات أئمة الجرح والتعديل في تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم .
(2) - هدي الساري ص 478 ، 479 .
(3) - هدي الساري ص 479 .
(4) - هدي الساري ص 483 ، طبقات الشافعية ( 2 / 220 )
(5) - تذكرة الحفا ( 2/ 555 ) .
(6) - هدي الساري ص 479 .
(7) - هدي الساري ص488 .
(8)- تاريخ بغداد ( 2 / 25 ) .
 
 


بحث عن بحث