السنة في القرن الرابع الهجري

 

 

سبق القول بأن القرن الثالث الهجري هو أزهى عصور السنة على الإطلاق وأحفظها بخدمة الحديث ، ففيه ظهر أفذاذ الرجال من حفاظ الحديث وأئمة الرواية ، وفيه ظهرت الكتب الستة ، وفيه اعتنى الأئمة بالكلام على الجوامع والمسانيد ، وتواريخ الرجال ، ومنزلتهم في الجرح والتعديل ، ولم يكن العلماء في هذا القرن يدونون الأحاديث بالنقل من كتب أخرى ، بل كان اعتمادهم على ما حفظوه عن مشايخ الحديث ، وعرفوا جيده من رديئه ، وصحيحه من ضعيفه ، وما كادت شمس هذا القرن تؤذن بمغيب حتى كادت الموسوعات الحديثية تزخر بالحديث وعلومه .

ثم تابع علماء السنة في القرن الرابع من سبقهم في خدمة السنة المطهرة وعلومها ، فكان منهم من نسج على منوال الصحيحين في تخريج الأحاديث الصحيحة ، من ذلك مثلا :ـ

1   - صحيح ابن خزيمة ت 311 هـ .

2   - صحيح ابن حبان ت 354 هـ .

3   - صحيح ابن السكن ت 353 هـ .

4   - مستدرك الحاكم ت 405 هـ وغيرها .

ومنهم من نهج منهج أصحاب السنن في الاقتصار على أحاديث السنن والأحكام ، مع اشتمالها على الصحيح وغيره ، وذلك مثل :

1   - منتقى ابن الجارود ت 307 هـ .

2   - سنن الدار قطني ت 385 هـ .

3   - سنن البيهقي ت 458 هـ وهو متأخر وفاة لكن يمكن عده في القرن الرابع تجوزا لتقارب كتب السنن .

 كذلك نجد من اعتنى في هذا القرن بالتأليف في مختلف الحديث ومشكله ، كما في كتابي الطحاوي ت 321 هـ :

1ـ شرح معاني الآثار .

2ـ ومشكل الآثار ، وغيرهما .

وذلك تتميما ـ وتكميلا ـ لما بدأه الإمام الشافعي ت 204 هـ  في كتابه اختلاف الحديث ، والحافظ بن قتيبة ت 276 هـ في كتابه تأويل مختلف الحديث وغيرهما مما ألف في ذلك النوع في القرن الثالث .

كما ظهر ـ ولأول مرة ـ نوعان من المصنفات في هذا القرن ، وهذا يعد من التجديد في مجال خدمة السنة ، وهذه ميزة أخرى لأهل السنة ، أنهم في كل عصر يعملون تفكيرهم ويبذلون جهدهم في ابتكار طرق ووسائل جديدة لخدمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم يجمدوا كما جمد غيرهم من أهل العلوم الإسلامية الأخرى .

وهذان النوعان من المصنفات هما :

أولا : كتب المصطلح ـ علوم الحديث ـ التي جمعت تلك القواعد التي كانت متفرقة في كتب من سبقهم من علماء القرنين الثاني والثالث ـ مثل الرسالة للشافعي ـ ومقدمة صحيح مسلم وكتابه التمييز ، وكتب الرجال والعلل ، فقيض الله عز وجل من جمعها وسهلها على طلبة العلم .

ويعد المحدث الفاصل لأبي محمد الرامهرمزي ت 360 هـ أول مؤلف في ذلك ثم تبعه أبو عبد الله الحاكم ت 405 هـ بتأليف كتابه ( معرفة علوم السنة ) ثم استخرج عليه تلميذه أبو نعيم الأصبهاني ت 340 هـ ثم تتابع التأليف في المصطلح بعد ذلك ...

ثانيا : كتب المستخرجات ـ وسيأتي الكلام عنها قريبا بإذن الله .

وهناك أنواع أخرى من المصنفات في مجال تدوين في هذا القرن مثل معاجم الطبراني ت 340 هـ والعلل للدار قطني الذي رتبه على مسانيد الصحابة ،  وغيرها ..

وهذه دراسة لنماذج مختارة من كتب السنة المدونة في القرن الرابع :



بحث عن بحث