* أما العامل الأول: وهو أن يكون المعلم على درجة عالية من الأخلاق، بحيث يقترب الطلاب منه،فيتمكن من غرس الفضيلة في نفوسهم بفعله وسلوكه قبل أن يغرسها فيهم بقوله وكلامه – فقد تمثل بصورة واضحة، وجلية في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحسبنا في ذلك ثناء الله عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [ سورة القلم/ 4 ]. وقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [ سورة آل عمران / 159 ].

وقد وصفه المحيطون به من أصحابه وغيرهم:بأنه – صلى الله عليه وسلم – كان على درجة عالية من الأخلاق.

* سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (لم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا صخابا(1) في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو، ويصفح)(2).

* وقال سعد بن هشام بن عامر: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين: أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى، قالت: (فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن)(3).

وعن أبي الدرداء قال: سألت عائشة – رضي الله عنها – عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه)(4).

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها)(5).

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا متفحشا، وكان يقول: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقا))(6).

وقال أنس بن مالك: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح،ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقوم خلفه، فيصلي بنا، وكان بساطهم من جريد النخل)(7).

وهكذا دفعت هذه الأخلاق الكريمة الصحابة أن يقتربوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحفظوا كل ما يصدر عنه ليقتدوا وليتأسوا به.


 

(1)    الصخاب: بالصاد المهملة، وفي بعض الروايات، بالسين المهملة هو: كثير الصياح والضجيج، انظر النهاية 2/152، 354.

(2)    الحديث أخرجه الترمذي في السنن: كتاب البر والصلة رقم (2016) (هذا حديث حسن صحيح). وأحمد في المسند 6/174، 236، 246.

(3)    الحديث أخرجه مسلم في: الصحيح، كتاب الصلاة المسافرين وقصرها: باب جامع صلاة الليل، ومن نام أو مرض رقم (139). وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب في صلاة الليل 1/308-309.والنسائي في السنن: كتاب قيام الليل: باب قيام الليل 3/162-163.

 

(4)    الحديث أورده ابن كثير في: البداية والنهاية: باب ذكر أخلاقه، وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم 6/35 قائلا: (وقال يعقوب بن سفيان، ثنا سليمان، ثنا عبدالرحمن،ثنا الحسن بن يحيى، ثنا زيد بن واقد، عن بشر بن عبيدالله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن عائشة... الحديث).

(5)    الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 4/230، وكتاب الأدب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف،واليسر على الناس 8/36-37، وكتاب الحدود: باب إقامة الحدود، والانتقام لحرمات الله 8/198 -199 من وجهين عن مالك ومن وجه عن عقيل،كلاهما عن ابن شهاب، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة به.

   ومسلم في الصحيح: كتاب الفضائل: باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته رقم (77-78).

(6)    الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم 4/230، وكتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عبدالله بن مسعود 5/34-35 وكتاب الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا متفحشا، وباب حسن الخلق والسخاء 8/15، 16 من عدة أوجه عن مسروق، عن عبدالله بن عمرو به، وبنحوه.

   ومسلم في الصحيح: كتاب الفضائل: باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم رقم (68).

(7)    الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الأدب: باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل 8/55 من حديث أنس به، ولكن بزيادة: (وكان لي أخ يقال له أبو عمير – قال أحسبه فطيما- وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير ؟) قبل قوله: (فربما تحضره الصلاة... إلخ. ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب جواز الجماعة في النافلة رقم (267).



بحث عن بحث