سنن الإمام النسائي (3)
تحري الإمام النسائي وتشدده في الرواية .
لقد كان الإمام النسائي شديد التحري عن الرجال ومن المتشددين في قبول المرويات .
قال أبو علي النيسابوري : " للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم بن الحجاج "
وقال سعد بن على الزنجاني :" لأبي عبد الرحمن ــ يقصد النسائي ــ شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم "
والحق أن في العبارتين شيئا من المبالغة والمغالاة ، فللشيخين شروط أعلى من غيرهما لا محالة ، ولذلك لم يسلم بعض العلماء المحققين لهما هذا القول ، إلا أنهما تدلان مهما كان المحمل على شدة تحريه في نقد الرجال وعلمه بعلل الحديث ، وقد كان مبرزا فيهما ولا شك ، وقد دعاه هذا المنهج في التحري والتوثق إلى ترك أحاديث ابن لهيعة .
قال أحمد بن نصر الحافظ : من يصبر على ما يصبر عليه النسائي ؟ عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة ، يعني عن قتيبة عنه فما صنفها ، قال ابن حجر : وكان عنده عاليا عن قتيبة عنه ــ يعني ابن لهيعة ــ ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها .
وكان النسائي شديد التحري في الألفاظ أيضا ، فلا يتساهل في وضع حدثنا مكان أخبرنا ، ولا أخبرنا مكان حدثنا ، وليس أدل على ذلك من طريقة روايته عن الحارث بن مسكين ، وذلك أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن شيء لم يمكنه من حضور مجلسه ، فكان يستتر في موضع ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى فلم يقل : " حدثنا وأخبرنا " ولكن يقول " الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع " وهذا غاية الأمانة .
فقهه :
كان الإمام النسائي إلى حفظه للحديث ومعرفته بالعلل والرجال فقيها .
قال الدارقطني فيه : " وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال "
وقال الحاكم أبو عبد الله : أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن نذكر ، ومن نظر في كتابه السنن له ،تحير في حسن كلامه .
وقد ذكر مجد الدين ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أنه كان شافعي المذهب ، وله مناسك ألفها على مذهب الشافعي .