الإمام الترمذي  وكتابه " الجامع "( 3 )

 

( 3 ) بيان شرط الإمام الترمذي في كتابه ومراتب الأحاديث عنده :

تقدم في كلام ابن طاهر على " سنن أبي داود" تقسيمه أحاديث السنن ثلاثة أقسام :

1-  القسم الأول: صحيح متفق عليه

2-  والقسم الثاني: صحيح على شرطهم.

3- القسم الثالث: أحاديث أخرجوها للضدية في الباب المتقدم.

قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق : الجامع على أربعة أقسام :

1-  قسم مقطوع بصحته ،

2-  وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا ،

3-  وقسم أخرجه للضدية وأبان عن علته .

4-  وقسم رابع أبان عنه فقال : ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثاً قد عمل به بعض الفقهاء سوى حديث ( فإن شرب في الرابعة فاقتلوه ) وسوى حديث ( جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر  ) .

وقد علق عليه الذهبي في " سير أعلام النبلاء"  فقال : في الجامع علم نافع وفوائد غزيرة ورؤوس المسائل وهو أحد أصول الإسلام ، لولا ما كدره بأحاديث واهية  بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل .

وقال الذهبي أيضاً : وأما أهل الطبقة الخامسة، كمن أجمع على اطراحه وتركه لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهما، فيندر أن يخرج لهم أحمد والنسائي ، ويورد لهم أبو عيسى فيبينه بحسب اجتهاده، لكنه قليل ، ويورد لهم ابن ماجه أحاديث قليلة ولا يبين - والله أعلم -.

وقلما يورد منها أبو داود، فإن أورد بينه في غالب الأوقات .

وأما أهل الطبقة السادسة كغلاة الرافضة والجهمية الدعاة، وكالكذابين والوضاعين، وكالمتروكين المهتوكين، كعمر بن الصبح، ومحمد المصلوب، ونوح بن أبي مريم، وأحمد الجويباري، وأبي حذيفة البخاري، فما لهم في الكتب حرف، ما عدا عمر، فإن ابن ماجه خرج له حديثاً واحداً  فلم يصب ، وكذا خرج ابن ماجه للواقدي حديثاً واحداً .

وقال الحافظ ابن رجب : واعلم أن الترمذي رحمه الله خرج في كتابه :

-  الحديث الصحيح والحديث الحسن - وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف - والحديث الغريب ، كما سيأتي .

- والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير - ولا سيما في كتاب الفضائل - ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه ،

- ولا أعلمه خرج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه حديثاً بإسناد منفرد ، إلا أنه قد يخرج حديثاً مروياً من طرق ، أو مختلفاً في إسناده ، وفي بعض طرقه متهم ، وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب ، ومحمد بن السائب الكلبي .

- نعم قد يخرج عن سيء الحفظ ، وعمن غلب على حديثه الوهم ، ويبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه ، وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة ، مع السكوت على حديثهم ، كإسحاق بن أبي فروة وغيره .

وقد قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة : ( ليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك شئ ، وإذا كان فيه حديث منكر بيبنت أنه منكر ) .

ومراده أن لم يخرج لمتروك الحديث عنده ، على ما ظهر له ، أو لمتروك متفق على تركه ، فإنه قد خرج لمن [ قد ] قيل : إنه متروك ، ومن [ قد ] قيل : إنه متهم بالكذب ، وقد كان أحمد ابن صالح المصري وغيره ، لا يتركون إلا حديث من اجتمع على ترك حيدثه ، وحكي مثله عن النسائي .

والترمذي رحمه الله يخرج حديث الثقة الضابط ، ومن يهم قليلاً ، ومن يهم كثيراً ، ومن يغلب عليه الوهم يخرج حديثه نادراً ، ويبين ذلك ولا يسكت عنه.

وقد خرج حديث كثير بن عبد الله المزني ولم يجمع على ترك حديثه بل قد قواه قوم ، وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب ، وقد ذكرنا ذلك في مواضع .

وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري : أنه قال في حديثه في تكبير العيدين : ( هو أصح حديث في هذا الباب ، قال : وأنا أذهب إليه ) .

وأبو داود : قريب من الترمذي في هذا بل هو أشد انتقاداً للرجال منه .

وأما النسائي : فشرطه أشد من ذلك ، ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم ، ولا لمن فحش خطؤه وكثر .

وأما مسلم : فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط ، ومن في حفظه بعض الشئ وتكلم فيه لحفظه ، لكنه يتحرى في التخريج عنه ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال: إنه مما وهم فيه .

وأما البخاري : فشرطه أشد من ذلك ، وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط ولمن ندر وهمه ، وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرج عنه  اهـ .

وقال ابن حجر : وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصيحيحين حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحاً ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي(1) . 


(1) انظر : " شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي ( ص/17، 22) ، و " شروط الأئمة الخمسة" لأبي بكر الحازمي" ( ص/68)، و" سير أعلام النبلاء"  للذهبي ( 13/274)، و "البدر المنير" لابن الملقن ( 1/302)، و"النكت على ابن الصلاح" لابن حجر ( 1/484) ، و"  تدريب الراوي"  للسيوطي ( 1/102) ، و "توضيح الأفكار" للصنعاني( 1/224) ، و " الحطة في ذكر الصحاح الستة " لصديق خان (ص/370)، أعلام المحدثين للدكتور محمد أبو شهبة 239 ــ 253 ، في رحاب الكتب الصحاح الستة 116 ــ 126، الموازنة بين جامع الترمذي والصحيحين للدكتور نور الدين عتر ، ومناهج المحدثين للدكتور عبد العزيز الشايع .

 



بحث عن بحث