الإمام أبو داود  وكتابه السنن (5)

 

 

خامساً : لماذا خرجوا  الحديث الضعيف  في ( السنن ):

كتب السنن لها شأن كبير ، ومنزلة عالية ، ومكانتها عند علماء الحديث تأتي في المرتبة الثانية من حيث الصحة والقوة  بعد المؤلفات في الصحيح، ولها مزية على سائر المصنفات من المسانيد والمصنفات والمعاجم والأجزاء ونحوها .

لأن الأصل في وضعها و القصد الأساس من تصنيفها العمل بما تضمنته من السنن والآثار فلا يخرج فيها إلا ما يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد،  بخلاف الكتب المصنفة على المسانيد  فإن أصل وضعها مطلق الجمع(1).

قال ابن طاهر :  فإن قيل لم أودعوها كتبهم ولم تصح عندهم ؟

فالجواب من ثلاثة أوجه :

  أحدها : رواية قوم لها واحتجاجهم بها فأوردوها وبينوا سقمها لتزول الشبهة.

 و الثاني : أنهم لم يشترطوا ما ترجمه البخاري ومسلم رضي الله عنهما على ظهر كتابيهما من التسمية بالصحة فإن البخاري قال ما أخرجت في كتابي إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول ، ومسلم قال : ليس كل حديث صحيح أودعته هذا الكتاب وإنما أخرجت ما أجمعوا عليه ومن بعدهم لم يقولوا ذلك فإنهم كانوا يخرجون الشيء وضده

 و الثالث : أن يقال لقائل هذا الكلام رأينا الفقهاء وسائر العلماء يوردون أدلة الخصم في كتبهم مع علمهم أن ذلك ليس بدليل فكان فعلهما هذا كفعل الفقهاء والله أعلم(2).

بيان شرطه في الرواة :

قال الحافظ ابن رجب في "شرح العلل" ( 2/612) - في شرح قول أبي داود : ليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث سيء الحفظ -  قال: ومراده : أنه لم يخرج لمتروك الحديث عنده على ما ظهر له، أو لمتروك متفق على تركه فإنه قد خرج لمن قيل إنه متروك ومن قيل إنه متهم بالكذب (3). اهـ

و قال الذهبي-في معرض شرح طريقة مسلم - : كعطاء بن السائب، وليث، ويزيد بن أبي زياد، وأبان بن صمعة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وطائفة أمثالهم، فلم يخرج لهم إلا الحديث بعد الحديث إذا كان له أصل .

وإنما يسوق أحاديث هؤلاء، ويكثر منها أحمد في (مسنده)، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم.

فإذا انحطوا إلى إخراج أحاديث الضعفاء الذين هم أهل الطبقة الرابعة، اختاروا منها، ولم يستوعبوها على حسب آرائهم واجتهاداتهم في ذلك.

وأما أهل الطبقة الخامسة، كمن أجمع على اطراحه وتركه لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهما، فيندر أن يخرج لهم أحمد والنسائي ، ويورد لهم أبو عيسى فيبينه بحسب اجتهاده، لكنه قليل ، ويورد لهم ابن ماجه أحاديث قليلة ولا يبين - والله أعلم -.

وقلما يورد منها أبو داود، فإن أورد بينه في غالب الأوقات .


(1) قال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح" (1/466 ) : هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين فإن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه ادعى على أن الحكم في المسألة التي بوب عليها ما بوب به فيحتاج إلى مستدل لصحة دعواه والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلح أن يحتج به ، وأما من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جمع حديث كل صحابي على حدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا .

وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك ، لكن جماعة من المصنفين في كل من الصنفين خالف أصل موضوعه  فانحط أو ارتفع فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما لقلة معرفة بالنقد.وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه .  اهـ وبنحو كلام ابن حجر، قال الحافظ البقاعي كما في " توضيح الأفكار" ( 1/228) .

(2) شروط الأئمة الستة .

(3)شرح العلل 2 / 612 .

 



بحث عن بحث