المستشرقون والسنة النبوية(1-6)

 

 

أولا : التعريف بالاستشراق لغة واصطلاحاً

الاستشراق لغة : استشرق من الفعل "شرق" يقال : شرقت الشمس أي طلعت، واسم الموضع المشرق ، وكل ما طلع من المشرق فهو شرق (1)  

واستشرق : أي طلب دراسة ما يتعلق بالشرق، فالألف والسين والتاء في أي فعل تدل على الطلب كاستغفر أي طلب المغفرة .

الاستشراق اصطلاحاً : هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي ، وهو تعبير أطلقه الغربيون على الدراسات المتعلقة بالشرقيين شعوبهم، وتاريخهم، وأديانهم،ولغاتهم، وأوضاعهم الاجتماعية،وبلادهم، وأرضهم، وحضارتهم، وكل ما يتعلق بهم . وهذا معنى عام للاستشراق .

وهناك معنى خاص وهو : دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية لخدمة أغراض التبشير من جهة، وخدمة أغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى، ولإعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام وتحطيم الأمة الإسلامية (2) .

وهذا المعنى الخاص لمفهوم الاستشراق هوالذي يعنينا،وهو الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي الإسلامي عندما يطلق لفظ استشراق أو مستشرق ، وهو الشائع أيضاً في كتابات المستشرقين المعنيين (3)  .

والمستشرقون : هم الذين يقومون بهذه الدارسات من غير الشرقيين، ويقدمون الدراسات اللازمة للمبشرين، بغية تحقيق أهداف التبشير، وللدوائر الاستعمارية بغية تحقيق أهداف الاستعمار .

ومع الدراسات الاستشراقية الموجهة لأغراض التبشير والاستعمار، قام بعض محبي العلم بدراسات استشراقية حيادية غير موجهة، وكان من بعض هؤلاء منصفون للحقيقة ، وبعض هؤلاء المنصفين تأثر بالإسلام وبالحضارة الإسلامية فأسلم (4)  .

هذا ومما لا شك فيه أن الاستشراق كان له أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوربية عن الإسلام وأمته، وفى تشكيل مواقف الغرب إزاء الإسلام على مدى قرون عديدة وحتى يومنا هذا(5)   .

والاستشراق من تعريفه الخاص السابق، موقف عقائدي وفكري معاد للإسلام يقفه الكافرون بهذا الدين بوجه عام، وبعض أهل الكتاب من اليهود والنصارى بوجه خاص .

 وهذا الموقف - في جوهره النابع من العداوة في العقيدة - ليس بجديد وإنما هو امتداد لموقف أسلافهم الكافرين بالإسلام من المشركين وأهل الكتاب - منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم : وهو موقف الإنكار للرسالة، والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإثارة الشبهات حول الإسلام بوجه عام ، وحول القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة بوجه خاص، بغية تشكيك المسلمين في دينهم، ومحاولة ردهم عنه .

وقد تختلف وسائل المشركين ووسائل أهل الكتاب، ولكنهم - في نهاية المطاف - يلتقون حول الهدف : وهو محاولة منع الخير - وهو الإسلام - عن المسلمين، ومحاولة ردهم عنه ، كما قال الله تعالى : ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم) [ سورة البقرة / 105 ] . وقال تعالى ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [ سورة البقرة /109 ] .

 


(1)  ـــ القاموس المحيط 3/241، ومختار الصحاح ص 336.

(2)   ــ أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للأستاذ عبد الرحمن الميدانى ص 50 بتصرف، وانظر : الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى للأستاذ الدكتور محمود زقزوق ص 24.

(3) ــ الاستشراق للدكتور زقزوق ص 24،25، وانظر : المستشرقون والتاريخ الإسلامى للدكتور على الخربوطلى ص 26، ورؤية إسلامية للاستشراق للدكتور أحمد غراب ص 7.

(4)  ــ أجنحة المكر الثلاثة ص 50، 51.

(5) ـــ الاستشراق للدكتور زقزوق ص20.

 



بحث عن بحث