الشيعة وموقفهم من السنة (3-4)                     

 

أثر موقف الشيعة من الصحابة علي السنة النبوية.

كان من آثار تكفير الشيعة للصحابة أن هوجمت السنة التي جمعها الجمهور وحققها أئمتهم ونقادهم، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الشيعة التي وصمت أحاديث الجمهور من أهل السنة بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها في فضائل الصحابة الذين يكفرهم الشيعة ويلعنونهم .

ولم يقبلوا من أحاديث أهل السنة إلا ما وافق أحاديثهم التي يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم، والتي إن لم يزيدوا فيها كذباً تأولوها بما يشهد لعقائدهم وأحكامهم الباطلة، أما ما عدا ذلك من السنة فلا يعتبرون به إلا إذا جاء من طريق آل البيت والتي لا يمكن إثبات صحتها لعدم اهتمامهم بصحة السند .

فالعدالة عندهم لا عبرة بها ما دام الراوي إمامياً يوالي الأئمة ولو لم يكن متهماً، بل ولو كان مطعوناً في دينه . وإذا تتبعت تراجم أعلام الشيعة الرافضة في زمن أئمتهم رأيتهم بين كذابين، وملاحدة، وشعوبيين، وفاسدي العقيدة، ومذمومين من أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من نقائص، ولذا تراهم يصححون أحاديث من دعا عليه المعصوم بقوله أخزاه الله وقاتله الله، أو لعنه أو حكم بفساد عقيدته أو أظهر البراءة منه، وحكموا أيضاً بصحة روايات المشبهة والمجسمة، ومن جوز البداء عليه تعالى(1)، مع أن هذه الأمور كلها مكفرة،ورواية الكافر غير مقبولة، فضلاً عن صحتها، فإذا كان هذا هو حال من يصححون حديثه وهو أقوى الأقسام عندهم، فما بالنا بحال الحسن والموثق والضعيف عندهم! (2) .

إذ لا عبرة عندهم بالعدالة وإنما العبرة بمن معهم؟ ومن عليهم؟ فمن كان معهم معتقداً بعقيدتهم كان مؤمناً تقياً، وإلا كان كافراً منافقاً إذا تبرأ منهم ومن عقيدتهم .

كما أنهم لا يشترطون اتصال السند في الحديث من الإمام إلى الرسول؛ لأن الإمام في حد ذاته كلامه في قوة كلام الرسول وقدسيته، ووجوب العمل به؛ لأنه معصوم ويوحي إليه، ومن تلك الأحاديث التي يصححونها

ولا عدالة لرواتها ولا اتصال لسندها حديث "غدير خم"(3) الذي يكاد يكون عمدة المذاهب الشيعية كلها ودعامتها الأولي، والأساس الذي أقاموا عليه نظريتهم إلي الصحابة من تكفيرهم وسبهم ولعنهم ليل نهار، وتابعهم علي ذلك دعاة اللادينية(4).

هذا الحديث هو عند أهل السنة حديث مكذوب لا أساس له باللفظ الذي يروونه عن طواغيتهم، الذين وضعوه ليبرروا به هجومهم وتجنيهم علي صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين - رضي الله عنهم أجمعين- .

وبالنظر في كتب الحديث النبوي عندهم؛ كالكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه(5) وغيرها، نجد رواياتها ليست كلها متصلة من أصحابها إلي أئمتهم الذين  وجدوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم . فالأحاديث المدونة بها قد خلا أكثرها من الإسناد فنجد الروايات تذكر عن عدة من أصحابنا، أو عن الإمام جعفر، ثم تعد هذه الأقوال أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . مع وجود الفارق الزمني الكبير بين أصحاب هذه الروايات وبين النبي صلى الله عليه وسلم . وهو فارق زمني يصل إلي عدة قرون(6) .

وكان لهجومهم وتجنيهم علي الصحابة الأثر الكبير فيما أثير حول السنة من شبهات، ولم لا ومروياتهم رضي الله عنهم لا تزن عندهم مقدار جناح بعوضة .

يقول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء : والشيعة لا يعتبرون من السنة إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن الحسين السبط، عن أبيه أمير المؤمنين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .، أما ما يرويه مثل : أبي هريرة، وسمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، ونظائرهم، فليس لهم عند الأمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر(7) أ.هـ


(1) ــ الكافي ، كتاب الروضة ( 8 / 168 ، 314 )  

(2) ــ الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب صنوف أهل الكفر وذكر القدرية والخوارج ( 2 / 400 رقم 4 ).

(3) ــ وخلاصة هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم . في رجوعه من حجة الوداع جمع الصحابة في مكان يقال له "غدير خم" مكان بين مكة والمدينة، وأخذ بيد علي رضي الله عنه ووقف به علي الصحابة جميعاً وهم يشهدون وقال : "هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فاسمعوا له واطيعوا" والحديث بهذه الرواية التي انفرد بها الرافضة مكذوب وأصل الحديث كما في صحيح مسلم من رواية زيد ابن أرقم رضي الله عنه قال : "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم . يوماً فينا خطيباً . بماء يدعي خما -بين مكة والمدينة- فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر . ثم قال : "أما بعد . ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور . فخذوا بكتاب الله . واستمسكوا به" فحث علي كتاب الله ورغب فيه . ثم قال : "وأهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي ... الحديث" أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه 8 /190 رقم 2408. هذا هو أصل الحديث كما في صحيح السنة، والحديث برواية الرافضة يشهد علي نفسه بالبطلان فالحديث يصرح بالخلافة للإمام علي -كرم الله وجهه- علي مشهد من الصحابة جميعاً، ومثل هذا تتوافر الدواعي علي نقله ويشتهر، في حين أن هذا النص بالخلافة للإمام علي لم يبلغه أحد بإسناد صحيح . قال الإمام بن تيمية في فصل (الطرق التي يعرف بها كذب المنقول) ما ينفرد به، ويتضمن أمراً تتوافر الدواعي علي نقله قال : "ومن هذا الباب نقل النص علي خلافة علي، فإنا نعلم أنه كذب من طرق كثيرة، فإن هذا النص لم يبلغه أحد بإسناد صحيح فضلاً عن أن يكون متواتراً كما تزعم الرافضة، ولا نقل أن أحداً ذكره علي جهة الخفاء، مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة، وحين موت عمر وحين جعل الأمر شوري بينهم في ستة، ثم لما قتل عثمان واختلف الناس علي علي، فمن المعلوم أن مثل هذا النص لو كان كما تقوله الرافضة من أنه نص على علي بن أبي طالب نصاً جلياً قاطعاً للعذر وعلمه المسلمون، لكان من المعلوم بالضرورة في مثل هذه المواطن التي تتوافر الهمم علي ذكره فيها غاية التوفر، فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم أنه ملزوم" أ.هـ. من منهاج السنة لابن تيمية 4 /118، وانظر : للاستزادة في الرد علي استدلالات الرافضة بروايات الحديث فيما كتبه الدكتور علي السالوس في كتابيه مع الشيعة الإثني عشرية في الأصول والفروع 1 /96-162، وأثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله ص 78-136، وانظر: مختصر التحفة الإثني عشرية لألوسي ص 123، 176، 208، 219، والعواصم من القواصم لابن العربي ص 183، والمؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة بحث الدكتور علي السالوس حديث الثقلين وفقهه 2 /701 - 725 والشيعة والتصحيح للدكتور موسي الموسوي ص 8-50، ونظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة للدكتور مصطفي حلمي ص 33-223 .

(4) ــ انظر : مجمع البيان في تفسير القرآن للفضل بن الحسن الطبرسي 6 /152، والميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي 6 /42، وأصل الشيعة وأصولها محمد الحسين آل كاشف ص48، ومصباح الهداية في إثبات الولاية علي الموسوي ص 190 وما بعدها التبيان في تفسير القرآن محمد بن الحسن الطوسي 3 /587، والمراجعات عبد الحسين شرف الدين ص 51، والغدير في الكتاب والسنة والأدب عبد الحسين الأميني 1 /21، 216، 223، 225، وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين الحسن بن المطهر الحلبي ص 254، 293، 471 = = وما بعدها، ومعالم المدرستين لمرتضي العسكري المجلد 1 /493، الشيعة في عقائدهم وأحكامهم لأمير محمد القزويني ص 71، والنص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين ص 347، ونظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام لأحمد حسين يعقوب ص 247 - 256، ولماذا أنا شيعي محمد حسين الفقيه ص 36، لقد شيعني الحسين أدريس الحسيني ص 358 - 367، الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب لمحمد بن النعمان العكبري ص 15-18، والسنة ودورها في الفقه الجديد لجمال البنا ص 25، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص 97، والسلطة في الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 258 وغيرهم .

(5) ــ انظر : في مكانة هذه الكتب وأصحابها، وما فيها من غلو كتابي الدكتور علي السالوس (مع الشيعة الإثني عشرية) 3 /135-240، وأثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله ص 290-361

(6) ــ السنة المفتري عليها للمستشار البهنساوي ص 136 بتصرف، وانظر : أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله ص 276-282.

(7) ــ أصل الشيعة وأصولها ص 79، 80، وانظر : أصول الرواية عند الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، للدكتور عمر الفرماوي ص 87

 

 



بحث عن بحث