مواطن انحراف الخوارج عن السنة

إن أبرز سمات الخوارج التشدد والغلو والتطرف في جميع أحكامهم ، ولهذا خرجوا عن الإسلام الدين الوسط ، الذي يتميز بالاعتدال الذي هو الفضيلة ، ووسموا فرقتهم بالجمود والتحجر الذي يتوقف عند ظواهر النصوص القرآنية دون مراعاة لما يمكن أن ينسخ تلك النصوص القرآنية، أو يخصص عمومها، أو يقيد مطلقها ، أو يزيد عليها بعض الأحكام مما تكفلت السنة المطهرة بتشريعه وبيانه .

وقد سبق أن بينا موقفهم من مرويات جل الصحابة المتمثل في رد رواية الذين كفروهم منهم .

وقد نشأ عن موقفهم هذا جحد أغلب النصوص الحديثية، بل فإنهم ( لم يلتفتوا إلى إجماع الأمة ولم يقدروه ، عند فهمهم لنصوص القرآن، مع أن الإجماع في الحقيقة يستند إلى أصل من الكتاب والسنة ، وليس أمرًا مبتدعا في الدين، أو خارجا على قواعده وأصوله )(1)

كما كان لحدة مزاجهم، وتطرفهم، وميلهم الفاحش إلى تكفير من يخالفهم في جليل الأمور وحقيرها ، الدور الفعال في انقساماتهم على أنفسهم وتفرقهم إلى طرائق قددا. وكان لكل هذه المعاني مجتمعة الأثر الكبير فيما أحدثوه من الضلالات والبدع التي يربو العقلاء بأنفسهم عن اقترافها، فضلا عن المؤمنين الذين يستبرئون لدينهم .

وهذه جملة من ضلالاتهم المخالفة صراحة ما ثبت من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.

1ـ إن من أشهر ضلالاتهم وأوضحها، لا سيما التي اقترفتها المحكمة الأولى والأزارقة ( تكفيرعلي وعثمان وأصحاب الجمل ، ومعاوية وأصحابه والحكمين ومن رضي بالتحكيم )(2).

ـ أما علي فخطؤه في التحكيم إذ حكم الرجال، ولا حكم إلا لله . . .(3)،  كما خطؤوه في محو اسمه من إمرة المسلمين . . . وانتهوا إلى تكفيره .

ـ أما عثمان فطعنوا فيه للأحداث التي عدوها عليه من محاباة بني قبيلته على حساب مصالح الأمة، إلى غير ذلك من التجاوزات التي ألمحنا إليها منذ حين.

أما أصحاب الجمل، وأصحاب صفين، ومعاوية ، فطعنوا فيهم لانغماسهم في الفتنة؛ ولأنهم أطراف في النزاع .

وقد طفق الأزارقة يتأولون الآيات، ويتعسفون في تفسيرها قصد تطويع معانيها لخدمة أغراضهم وأهوائهم، فتأولوا قوله تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) ] البقرة : 204[

وقالوا إنما نزلت هذه الآية في علي.

كما صوبوا عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي ، حتى إن عمران بن حطان ، وهو مفتي الخوارج وزاهدهم وشاعرهم الأكبر ، أشاد به في أبيات مشهورة منها :

 

يا ضربة من منيب ما أراد بها      **      إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا (4)

 

وإن هذا الموقف من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ليخالف السنة مخالفة صريحة ، ذلك أن عددا من الذين كفروهم قد شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالجنة ، كعلي، وطلحة بن عبيد الله، والزبير، وعثمان(5) ، كما كانوا ضمن بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )(6)، وإن كتب السنة الخلية عن الهوى لتمتلئ بمناقب أولئك الأصحاب وفضائلهم الباقية على الزمن(7).

أما محو علي لاسمه من إمرة المسلمين فليس إلا اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية ، حيث محا لفظ ( رسول الله ) بعد أن اعترض عليه المشركون المتصالحون معه على ذلك(8)، والخوارج لما خالفوا السنة ابتعدوا عن هديها ولم يعتبروا بأحداثها(9).

  


(1) - التفسير والمفسرون 2/313

(2) - الفرق بين الفرق 81 .[2]

(3) - ولما سمعها علي- رضي الله عنه- قال : (( كلمة حق أريد بها باطل )) أو (( كلمة عدل أريد بها جور،  إنما يقولون لا إمارة، ولا بد من إمارة بر أو فاجر )) 1/116 ـ117 (ملل الشهرستاني )

 

(4) - الملل ـ الشهرستاني 1/120 . البداية والنهاية 7\ 359 وقد عارضه بكر بن حماد الزناتي التاهرتي ( 200هـ 296هـ ) هاجيا له : فقال في قصيد طويل :

                   بل ضربة من غوي أورثته لظى                         مخلدا قد أتى الرحمن غضبانا 

(5) - انظر الحديث رقم ( 3574 ، 3575 ) من سنن الترمذي .

(6) - سورة الفتح / 18 .

(7) - انظر : صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، ومسلم ، كتاب الفضائل . وسنن الترمذي ،أبواب المناقب .

(8) - انظر : جامع بيان العلم وفضله 2 / 127 ، وصحيح البخاري ، كتاب الصلح ، باب كيف يكتب هذا ما صالح ...، وكتاب المغازي ، باب عمرة القضاء .

(9) - انظر : أصول علم الحديث بين النهج والمصطلح ص 162 ــ 164 .

 

 



بحث عن بحث