الطاعنون في السنة - قديما وحديثا - (1-2)

 

عرضنا فيما سبق لتاريخ الهجوم على السنة والمراحل التي مر بها عصرًا بعد عصرٍ ، وألمحنا في ثنايا ذلك إلى بعض الفرق التي طعنت في السنة وهاجمتها، وهنا نتناول بشيء من التفصيل الطاعنين في السنة ـ قديما وحديثا ـ والمهاجمين إياها، لكن في البداية أود التنبيه إلى أن الطاعنين في السنة فرق شتى، وجماعات مختلفة، وأفراد عديدون، لكن إنكارهم للسنة، وطعنهم فيها على درجات :

1ـ فمنهم المنكرون للسنة كلها : مثل بعض الفرق القديمة أو الرافضة ، ومثل غلام أحمد برويز، الذي أسس ( جمعية أهل القرآن ).

2ـ ومنهم من ينكر السنة لكن يستثني منها السنة العملية المتواترة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج ، وهذا مذهب كثير من المعتزلة، وكثير من منكري السنة حديثًا .

3ـ ومنهم المقرون بالسنة، لكن لا يحتجون منها بأخبار الآحاد في العقيدة، مثل كثير من أهل الكلام.

4ـ ومنهم من ليس له قاعدة، ولا ضابط ، وإنما ينكر هذا الحديث أو ذاك؛ لمخالفته لمعقوله، أو لهواه، أو لغرض في نفسه، أو لسبب آخر.(1)

وقد يتساءل البعض: لماذا الحديث عن هذه الفرق ؟.

ونقول : إن الحديث عن هؤلاء إنما يأتي من باب قول الشاعر :

 

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر يقع فيه

 

وهذه الفرق فضلا عن موقفها من السنة المطهرة، ومن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، كان لها الأثر الكبير في تفريق الأمة الإسلامية إلى أحزاب وشيع، من هذا المنطق تأتي أهمية دراسة تلك الفرق لما يأتي :

 

أولاً: لأن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق، ولا بزمنهم؛ ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر، فإننا إذا نظرنا إلى بعض تلك الفرق الماضية كالخوارج( القرآنيون )، نجد أن لها امتدادا يسري في الأمة سريان الوباء ، وكذلك المعتزلة لا زالت أفكارهم حية قوية، يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغربية والشرقية ، فراحوا يمجدون العقل، ويحكمونه في نصوص الشرع، قرآنا وسنة ، فما وافق عقولهم قبلوه، وإلا ردوه ، أو تأولوه تأويلا يضر بعقيدة المسلم ، ويصفون من يعتمد على ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء .

 

إنهم يريدون الخروج عن المنهج الإسلامي ، ولكنهم لم يجرؤا صراحة على ذلك ، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التي قال بها من ينتسب إلى الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك ، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار؛ لتحقيق أهدافهم البعيدة .

 

من هنا تأتي أهمية دراسة تلك الفرق لبيان ما فيها من أفكار وآراء هدامة،  مخالفة لحقيقة الإسلام ، وكيف يعمل على إحيائها وترويجها في العصر الحاضر من سار على دربهم، أو تأثر بهم ، ذلك أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم في وضوح تام ، فلكل قوم وارث ، وصدق الله إذ يقول : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم )(2).

 

وأيضا لكشف القناع عن تلك الحركات، والأفكار الهدامة، التي يقول بها في العصر الحاضر أولئك الخارجون عن الخط السوي، والصراط المستقيم ، وتعرية دورهم الخطير في الطعن والتشكيك في الإسلام ( قرآنا وسنة ) من ناحية ، وإشاعة الفرقة والاختلاف في صفوف الأمة من ناحية أخرى ، وذلك إنما يكون بتعريف الناس بفكرهم، وحقيقة أمرهم؛ ليحذروهم .

 

 
 


(1) - انظر : قضايا منهجية ودعوية  ص62

(2) - سورة البقرة /118

 

 

 

 



بحث عن بحث