شبهة عرض السنة على العقل والرد عليها(6)

المحور الثالث في الرد على هذه الشبهة:

ومن قدم العقل على الشرع لزمه القدح في العقل نفسه؛ لأن العقل قد شهد للشرع والوحي بأنه أعلم منه، فلو قدم عليه؛ لكان ذلك قدحًا في شهادته، وإذا بطلت شهادته؛ بطل قبول قوله، بل إن من قدم العقل على الشرع؛ لزمه القدح في الشرع أيضًا.

يقول الإمام الشاطبي:

أولاً: "إنه لو جاز للعقل تخطي مأخذ النقل، لم يكن الحد الذي حده النقل فائدة، لأن الفرض أنه حد له حدًا، فإذا جاز تعديه صار الحد غير مفيد، وذلك في الشريعة باطل، فما أدى إليه مثله.

ثانيًا: ما تبين في علم الكلام والأصول، من أن العقل لايحسن ولا يقبح، ولو فرضناه متعديًا لما حده الشرع، ولكان محسنًا ومقبحًا، وهذا خلف.    ثالثًا: أنه لو قدم العقل على النقل؛ لجاز إبطال الشريعة بالعقل، وهذا محال باطل.

وبيان ذلك: أن معنى الشريعة أنها تحد للمكلفين حدودًا في أفعالهم، وأقوالهم، واعتقاداتهم وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدى حد واحد، جاز له تعدى جميع الحدود؛ لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله، وتعدى حد واحد هو بمعنى إبطاله، أي ليس هذا الحد بصحيح، وإن جاز إبطال واحد، جاز إبطال السائر، وهذا لا يقول به أحد، لظهور محاله"(1)، فكان تقديم العقل على النقل - لا لشيء إلا لأنه عقل - يتضمن القدح في العقل والنقل - كما مر وهذا ظاهر لا خفاء فيه.


 


(1)الموافقات 1 /78 ، 79 . وانظر : مختصر الصواعق المرسلة 1 / 110 .



بحث عن بحث