شبهات حول السنة والرد عليها(1)

 

 

عرضنا فيما سبق للتعريف ببعض الاتجاهات المنحرفة ، وأبنا إجمالا عن موقفها من السنة النبوية المطهرة ، وبداية من هنا وما يأتي سنعرض بمشيئة الله تعالى لشبهاتهم حول السنة النبوية ــ وهي شبهات متعددة ، منها ما يتعلق بحجية السنة ، ومنها ما يتعلق برواتها ، ومنها ما يتعلق بأهم مصادرها ، ومنها ما يتعلق بمناهج الأئمة في وضع القواعد لحفظها ، ومنها ما يتعلق ببعض نصوصها ، إلى غير ذلك مما سنعرض له ، وسوف نقوم بتوفيق الله تعالى بدحض هذه الشبه والرد عليها ، وبيان خطأ وزلل مقترفيها .

أولا : شبة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم:

زعم بعض خُصماء السنة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم فيقولون : علينا بالاكتفاء بالقرآن الكريم فقط؛ فهو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول للإسلام، وهو الذي سلم من التغيير والتبديل … إلى آخر ما يقولونه ، تظاهراً بحبهم للإسلام، ودفاعاً عنه، وغيرة على ما في كتاب الله عز وجل من شريعة وأحكام، غير أنهم لا يريدون - مع ذلك - أن يضبطوا أنفسهم وعقولهم بهذا الذي أمر القرآن الكريم بضبط أنفسنا وعقولنا به، من اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مصطنعين لأنفسهم ما يشاءون من آيات القرآن الكريم، يستدلون بها على الاكتفاء بالقرآن وحده، وعدم حجية السنة والحاجة إليها .وتتلخص شبههم حول عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم ، في شبهتين

الأولى : شبهة الاكتفاء بالقرآن وعدم الحاجة إلى السنة النبوية.

والثانية : شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.

أولا : شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم وعدم الحاجة إلى السنة النبوية

وقد استدلوا على ذلك من القرآن الكريم بآيات عديدة منها :

1- قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )[ سورة الأنعام / 38 ] .

2- وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )[ سورة النحل / 89 ] .

3- وقوله تعالى : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[ سورة الأنعام /114 ]

4 ــ وقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [سورة الأعراف / 52 ]

5 ــ وقوله تعالى : (كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[  سورة فصلت / 3 ]

6- وقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا )[ سورة الأنعام /115 ] .

7- وقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )[ سورة المائدة / 3 ]

8- وقوله تعالى : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )[ سورة الأنعام /19 ]

9- وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )[ سورة الأعراف /170 ]

10- وقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[ سورة العنكبوت / 51 ]

هذه الآيات الكريمات وما في معناها؛ استدل بها دعاة الفتنة ــ قديما وحديثا ــ  على عدم حجية السنة النبوية المطهرة، وشبهتهم فى هذه الآيات؛ أنها تبين أن القرآن تام قد حوى كل شيء، كما فى آية الأنعام (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صدقا وعدلا )، والله عز وجل ما فرط فى الكتاب من شيء، كما فى آية الأنعام (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) فأتى بالعام ثم فصله تفصيلاً، كما فى آية الأنعام ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا)  وغيرها، وأتى بالمجمل ثم بينه للناس تبياناً تاماً، كما فى أية النحل (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فهو لا يحتاج بعد هذا البيان إلى شيء آخر، وإلا لو احتاج إلى شيء آخر لكان القرآن غير صادق فيما قال، وهذا أمر مستحيل على الله عز وجل، ومستحيل على كلامه .

 هذه هى ناصية الشبهة الأولى وجماعها، وهم يذكرون لها حشداً عظيماً من الآيات التى تؤيدها سواء كان الدليل فى موضوعه كما فى الآيات التى استشهدوا بها سابقاً، أو فى غير موضوعه كما فى باقى الآيات ، كقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ) ، ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ) ، ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ )

 فهؤلاء المدلسون ما عليهم إلا أن يفتحوا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وينقلوا منه الآيات التي يشوشون بها على المسلمين، ويضعون أمام كل آية جملة تلائمها، ولا يهمهم بعد ذلك أبقيت وحدة الموضوع بين أيديهم أم لم تبق .

على أية حال فإن هذه هى الشبهة الأولى فى أصلها الأصيل وكلياتها التي لا تخرج عنها مهما علا الضجيج أو ارتفع الصياح (1)  .

يقول الدكتور السباعى - رحمه الله تعالى ــ ، تتلخص حجة من يرد الأخبار كلها كما حكاه الشافعى فى قولهم :" إن القرآن جاء تبياناً لكل شيء، فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد فى القرآن؛ كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار، لقطعية - وهو القرآن - والظني لا يقوى على معارضة القطعي، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن؛ كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تبيناً للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه، بظني لا يكفر من أنكر ثبوته، وهذا غير جائز .

وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار؛ لأنها قطعية الثبوت، فكيف عمم الشافعي بقوله : "رد الأخبار كلها"؟ والذى يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قطعياً أيضاً بل هو عندهم ظني؛ لأنه جاء من طرق آحادها ظنية، فاحتمال الكذب فى رواته لا يزال قائماً ولو كانوا جمعاً عظيماً"(2)  أ.هـ.


(1)  ــ السنة في مواجهة أعدائها ص 63 ، 64 ، والسنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1 / 192 ، 193 .

(2)  ــ السنة ومكانتها في التشريع ص 151 .

 



بحث عن بحث