تمهيد

لقد كانت التحديات الكبيرة التي تواجهالمحدثينإزاء هذاالسيل الدافق من الأسانيد والمرويات تحتم عليهم وقفة أخرى - بعد تقعيد نظرية الإسناد- ليراجعوا البناء الذي قام على مبدأ الإسناد.

ولم تكن كثرة الأسانيد والمرويات لمجردها هي الدافع لتلكالوقفة والمراجعة، بل إن الفتن التي ظهرت في المجتمع المسلم والتقلبات المختلفة التي واجهها المسلمون بسبب الفتوحات الكبرى وما لحقها من تجاور للحضارات المغلوبة.. أو تمازج، وما أفرزه هذا التجاور أو التمازج من تأثيرات سلبية أو إيجابية.. كل ذلكأدى إلى تلك المراجعة.

فربما كان الواحد منهم يعمدإلى إسناد مشهور بنظافته مثل سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أو علقمة عن عبد الله بنمسعود وينسجون من خلالها الأحاديث، أو يخترعون أي إسناد - وإن جهل رجاله - ويذيعونبواسطته الآثار والأخبار، إذ كان الناس يومئذ على أصل الصدق، ولم يكونوا ليظنوا أنأحدا يجرأ على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام بعد في ذروةانتصاراته وفتوحاته.

فلما أحسالمحدثون برواج تلك الآثار وخاصة بين الطوائف السياسية المتنازعة ابتدءوا في أخذالحيطة ورسم السبل لدرء هذه المحاولة الجديدة في تحريف مصادر التلقي عندالمسلمين.

أو حتى في مسائل التشريع وأعمال المكلفين وقد يحصل الوهم من أناس صالحين ساء حفظهم أو خف ضبطهم فاحتاج الأئمة إلى وضع هذه الأسس إما لرد هذه الروايات جملة وتفصيلًا أو الترجيح بينها أو العمل بها في مجالات أضيق كالفضائل ونحوها.

ومن هنا أبدع المحدثون في هذه المنهجية العلمية التي أبهرت الأمم، وألفوا فيها المؤلفات المطولة والمختصرة.

وهذا ما حداني أن أصوغ هذه المنهجية في هذه القواعد جامعًا بين الإيجاز والتطويل لينطلق منها الدارس إلى فهمها الفهم الصحيح والتعامل معها، ممهدًا بهذا التمهيد الذي يشمل تعريف الجرح والتعديل، وأهمية علم الإسناد، وتاريخ الكلام في الرواة وحكم الكلام فيهم.



بحث عن بحث