القاعدة الأولى:

غاية علم الجرح والتعديل وأهدافه

الحفاظ على الشريعة من التحريف، وعلى السنة من الانتحال والتزييف، ومعرفة المقبول من المردود، والوصول إلى أعظم العلوم قدرًا وأعلاها منزلة كلها من غايات هذا العلم الجليل.

وتفصيل ذلك: أن غاية معرفة علم الجرح والتعديل وأهدافه يمكن تفصيلها على ما يلي :

1- المحافظة على السنة من الانتحال والتزييف والزيادة والنقص والتحريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغاليين».

وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن الأئمة في أهمية معرفة رجال الإسناد جرحًا وتعديلًا والحث على ذلك، حتى جعلوه قربة ودينًا.

  • قال ابن المبارك: الإسناد عندي من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له من حدثك؟ بقي» أي: بقي متحيرًا لا يدري ما يقول، لأنه لا إسناد معه يعرف به صحة الحديث أو ضعفه.

وقال أيضًا: «بيننا وبين القوم القوائم» يعني الإسناد.

  • وقال الثوري: «الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل».
  • وقال شعبة: «كل حديث ليس فيه (حدثنا، وأخبرنا) فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام».
  • وقال الأوزاعي: «ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد».
  • وجاء عن ابن سيرين: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم».

2- معرفة المقبول من المردود من الرواة ومنزلته من مراتب الجرح والتعديل.

علم الجرح والتعديل ميزان رجال الرواية، يثقل بكفته الراوي فيقبل، أو تخف موازينه فيرفض، وبه يعرف الراوي الذي يقبل حديثه، ويميزه عمن لا يقبل حديثه.

ومن هنا اعتنى به علماء الحديث كل العناية، وبذلوا فيه أقصى جهد، وانعقد إجماع العلماء على مشروعيته، بل على وجوبه للحاجة الملجئة إليه.

والحاجة ماسة جدًّا إلى علم الجرح والتعديل للحكم على رجال الإسناد، وبالتالي معرفة مرتبة الحديث لأنه لا يمكن دراسة الإسناد إلا بعد معرفة قواعد الجرح والتعديل التي اعتمدها أئمة هذا الفن، ومعرفة شروط الراوي المقبول، وكيفية ثبوت عدالته وضبطه وما إلى ذلك من الأمور المتعلقة بهذه المباحث، لأنه لا يتصور أن يصل الباحث في الإسناد إلى نتيجة ما مهما قرأ في كتب التراجم عن رواة هذا الإسناد، إذا لم يكن عارفًا من قبل قواعد الجرح والتعديل، ومعنى ألفاظهما في اصطلاح أهل هذا العلم، ومراتب هذه الألفاظ من أعلى مراتب التعديل إلى أدنى مراتب الجرح إلى غير ذلك مما يتطلبه هذا العلم.

3- الوصول إلى أعظم العلوم قدرًا وأعلاها منزلًا:

علم الجرح والتعديل يستمد شرفه من علم الحديث وأي علم يكون أشرف من علوم القرآن والحديث؟

  • قال الأعمش: «لا أعلم قومًا أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث، ويحبون هذه السنة، وكم أنتم في الناس، والله لأنتم أقل من ذهب».
  • وقال وكيع: «سمعت سفيان الثوري يقول: ما شيء أخوف عندي من الحديث، ولا شيء أفضل منه لمن أراد به ما عند الله».
  • وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) [الإسراء: 71] يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم، وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهد وقتادة: أي بنبيهم، وهذا كقوله: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [يونس: 47].
  • وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث، لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم .انتهى..

وعليه فيجب على طالب الحديث، والمختص في علوم السنة بعد أن يجدد إخلاصه لله سبحانه وتعالى أن يهتم بمعرفة الغاية من تعلم هذا العلم الجليل وذلك لخطورته، وسهولة المزلق فيه. ومن هنا يحذر الطالب والمتعامل مع هذا العلم من:

- التلذذ بالكلام عن الرجال وما قيل فيهم بما يكون شهوة للنفس.

- انحراف النية والمقصد لأي غرض من الأغراض.

- التعالم على الآخرين بهذا العلم، وهذه من آفات بعض متعلمي هذا العصر.

- التوسع الذي لا حاجة إليه فيخرج عن الغاية المطلوبة.



بحث عن بحث