القاعدة الثانية:

بم يكون التعديل؟

يعرف يكون التعديل: بتنصيص المعدلين أو بالاستفاضة والشهرة

والتفصيل: يعرف تعديل الراوي وجرحه بعدة وسائل، من أهمها ما يلي:

1- التنصيص: وهو أن ينص واحد من علماء الجرح والتعديل على عدالة ذلك الراوي أو جرحه، ولو لم ينص غيره على الصحيح المختار الذي رجحه الخطيب البغدادي وابن الصلاح وغيرهما، واستدلوا على ذلك بأن العدد لم يشترط في قبول الخبر، فالخبر يكون صحيحًا ولو كان الناقل واحدًا ما دام أنه ثقة وجرى العمل بهذا عند أهل العلم.

كقول ابن سعد في شعبة: كان ثقة مأمونًا ثبتًا صاحب حديث حجة. ا.هـ.

وخالف بعض العلماء منهم، فقالوا: لا يثبت التعديل والجرح إلا باثنين قياسًا على الشهادات، فلا يكفي فيها شاهد واحد.

2- الاستفاضة والشهرة: فمن اشتهر بين أهل الحديث بعدالته، وشاع الثناء عليه استغنى عن بينة شاهدة بعدالته، وهؤلاء مثل الأئمة، كمالك، وشعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل – رحمهم الله تعالى -، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر، واستقامة الأمر، وشيوع إمامتهم.

  • قال الخطيب في الكفاية: «فهؤلاء وأمثالهم لا يسأل عن عدالتهم، وإنما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، وخفي أمره على الطالبين؛ لأن شهرتهم بالعدالة أقوى في النفس من شهادة الواحد والاثنين بعدالتهم.

سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه، فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين.

وسئل ابن معين عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: مثلي يسأل عنه؟! هو يسأل عن الناس».

وهنا مسائل متعلقة بما سبق؛ منها:

1- التعديل على الإبهام: ومثال ذلك أن يقول المحدث: حدثني الثقة، أو من لا أتهم دون أن يذكر اسمه، والصحيح أنه لا يكتفي بهذا التعديل المبهم، لأنه وإن كان ثقة عنده فربما لو سماه لعرفه غيره بجرح هو يجهله.

2- إذا روى الراوي العدل عن راو وسماه لم تكن روايته عنه تعديلًا له عند الأكثرين من أهل الحديث، وهو الصحيح، لأن كبار الأئمة كانوا يرون عن الثقة وغيره، كما جاء ذلك عن سفيان الثوري، ومعتمر بن سليمان، وغيرهما، وإنما يرون عن الضعفاء لأن أحاديثهم ترتقي إلى درجة الاحتجاج إذا كثرت طرقها.

  • قال سفيان الثوري: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه، أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينًا، وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه، وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته.

3- إذا عمل العالم وأفتى على وفق حديث يرويه فلا يعتبر ذلك تصحيحًا منه ذلك الحديث، ولا توثيقًا لرجاله، لأنه ربما عمل بذلك الحديث على سبيل الاحتياط، أو لدليل آخر وافق هذا الخبر، أو نحو ذلك، إلا إذا نص العالم على أن عمله وفتياه كان لأجل ذلك الخبر فإنه يعتبر تصحيحًا منه لذلك الخبر، وتوثيقًا لرجاله.

وكذا إذا عمل العالم وأفتى بخلاف حديث لم يعتبر ذلك تضعيفًا منه لذلك الحديث ولا قدحًا في رجاله، لأنه ربما كان ذلك لمعارض قوي أو لتأويل، وقد روى مالك عن نافع حديث ابن عمر: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»، ولم يعمل بظاهره، ولم يكن ذلك قدحًا منه في شيخه نافع.

4- ذهب ابن حبان إلى أن الراوي العدل هو: من لم يعرف فيه الجرح، وهذا مذهب مردود لأن شرط الرواية ثبوت العدالة للراوي لا انتفاء الفسق فحسب، وقد قال الله تعالى في شأن الشهادة: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ فاشترط أن تثبت عدالتهم، ولم يكتف بأن يكونوا منا، أي مسلمين فقط، وقد جر هذا المذهب ابن حبان إلى توثيق جماعات من المجهولين وإيداعهم في كتابه «الثقات».



بحث عن بحث