ثمرات استخدام العقل:

ما سبق يقودنا إلى تفقيط شيء من ثمرات استخدام العقل الاستخدام الصحيح، وذلك عند ما يتجرد عن الهوى، والمؤثرات الأخرى التي يؤثر على العقل أيًّا كان هذا التأثير، ومن هذه الثمرات :

1- الوصول إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما سبق في قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران: 190].

وهذا يقود إلى استشعار عظمة الله سبحانه، وقوة الإيمان بوحدانيته، ومن ثم عبوديته جل وعلا، وهي الغاية من خلق الإنسان في هذه الحياة قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، والغاية من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36] وهذه العبودية هي الموصلة إلى السعادة في الدارين كما قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

دلَّ ذلك كله على أن استعمال العقل يوصل إلى الغايات الكبرى، والسعادة العظمى.

2- أنه الموصل إلى العلم الصحيح الذي يستنار به الطريق، ويستضاء به الدرب في هذه الحياة، فهو مصدر من مصادر العلم والمعرفة.

ومن المعلوم أن مصادر المعرفة في هذا الدين ترتكز على ثلاثة أشياء: الوحي والفطرة والعقل، ومن هنا تواترت النصوص المحفزة للعلم والمرغبة فيه، والمثنية على أهله قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر: 28].

وقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].

وقال سبحانه: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[الزمر: 9].

وقد سبق معنا شيء من الإشارة في العنصر السابق وهذا بلا شك يقود الإنسان لتحريك العقل واستثماره في العلم والمعرفة، ويكفي في ذلك قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، فهنا عطف الله سبحانه أهل العلم على الملائكة المعطوفة على شهادته سبحانه، وذلك بأعظم مشهود وهو الألوهية وإذا كان الإنسان سيصل إلى هذه المنزلة بالعلم فكان ذلك العقل المتحرك في الاتجاه السليم، ولذلك قال سبحانه في الحث على هذا التحريك: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101]، وقال سبحانه:﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ...﴾ [الأعراف: 185].

3- هدوء الإنسان، وسيره في هذه الحياة بسكون وثبات، واستقرار وطمأنينة، ذلكم أن الذي يستخدم عقله ويستثمره ويصل به إلى العلم النافع يقوده ذلك إلى الثبات على الحق لوضوحه، ولذلك يقول سبحانه في بيان هذه الثمرة العظيمة ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]، ولذا تعددت الآيات المقارنة بين الفئتين الأولى لمن هديت إلى الطريق المستقيم، والأخرى لمن تاهت في الطرق المظلمة، مثل قوله سبحانه: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾ [الرعد: 16].

فمما سبق تبين لنا تكريم الإسلام للعقل وإعلاء منزلته، وتعدد مجالات إعماله، وثمرات هذا الأعمال الإيجابية.

ويبقى السؤال: هل لهذا الإعمال حدود؟

وما علاقته بالوحي (المنقول)؟ وهذا ما نختم به هذه القاعدة لنجيب على هذه الأسئلة وما يتفرع عنها.



بحث عن بحث