القاعدة العامة:

أن العقل الصحيح متوافق مع العقل السليم ويعني هذا أن لا تعارض بينهما، فالله سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق على طبيعة معينة، هو الذي شرع لهم الشريعة التي تناسبهم.

ولِـمَ تبحث هذه المسألة الكبيرة؟ والجواب يكمن بأنهما المصدران الأساسيان للعلم والمعرفة.

فالنقل هو الكتاب الكريم، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المصدر الأول والأساس.

والعقل وهو ما سبق بيانه في مقدمة هذه القاعدة.

وهو المصدر الثاني والتبعي للمصدر الأساس وهو ما تجليه الصفحات القادمة بشيء من التفصيل. من منطلق القاعدة العامة آنفة الذكر.

وتقرير ذلك من عدة نقاط:

1- أن النقل والعقل هما حجة الله سبحانه على خلقه، فالله سبحانه وتعالى وجه الناس إلى استخدام عقولهم في التصديق بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالكتب المنزلة عليهم، والقرآن الكريم مليء بالآيات العظيمة المحركة للعقول للدلالة على الإيمان بالله ووجود سبحانه وربوبيته ومعرفته ومن ثمّ عبادته سبحانه وأن لا معبود بحق سواه وتعالى. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في بيان معرض هذه الحقيقة: (السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل، وبما أنزل إليهم من السمع، والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه، كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه، وكذلك العقل مع السمع، فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد).

وهذا واضح في كثير من الآيات وبخاصة في تقرير مسائل الاعتقاد مثل قوله تعالى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91].

فنلحظ في الآية استخدام العقل في تقرير ألوهية المولى جل وعلا، وهذا هو ما بعث الله به الرسل.

وعليه فقد تعاضد الدليلان على هذه القضية الأساس وهي عبودية الله سبحانه وأنه لا معبود بحق سواه.

2- أنه لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، ولو انفك أحدهما ولم يتلازما كان نتيجة ذلك التناقض ليس في التشريع فحسب بل في مسارات الحياة كلها، وعليه فما يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر، فالنظر العقلي دليل على صحة السمع، والوصول إلى صحة السمع دليل على صحة النظر العقلي.

وادعاء التعارض بينهما هو إبطال لهما أو لأحدهما وإذا كان ذلك كذلك فهما متوافقان وليسا متعارضين.

3- أن القول بالتعارض يؤول إلى إنكار السمع - القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة -، ومن ثمَّ يؤول هذا الإنكار إلى إنكار الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ثمّ إلى إنكار الإيمان بالقرآن الكريم الذي هو بزعمه لا ينكره، ولكنه أنكره باللازم لأن القرآن الكريم هو الذي أخبر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن مليء بالآيات الدالة على ذلك.

4- إن القول بالتعارض يؤدي إلى فقدان التشريع، وعدم اكتماله، وتخبط العقول فيه.

وهذا لازم واضح إذ إن القرآن الكريم جاء بالأصول وببعض التشريعات ولكن التشريع المفصل القولي والفعلي في السنة النبوية.

وهذا يقود إلى مسألة خطيرة أخرى وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بالحق لأن الحق عند من يقول بالتعارض هو ما تمليه عقولهم فإذا خالفت ما يقوله عليه الصلاة والسلام ورجحوا ما تنظره عقولهم أدَّى إلى أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحق.

وهذا – أيضًا – تكذيب بالقرآن الكريم الذي تظافرت فيه الأدلة على وجوب السمع والطاعة والاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم، والحذر من مخالفته.

5- إن القول بالتعارض يقتضي تقديم كلام الناس، وبخاصة أئمة الفرق على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه عند الترجيح سيقدم ما أتت به عقول هؤلاء وما أنتجته على كلامه صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤدي إلى التكذيب به عليه الصلاة والسلام. ويكفي هذا سقوطًا لهذا التناقض.

6- والقول بالتعارض يؤدي في النهاية إلى عدم الوصول إلى الحق، والتناقض في تقريره إذ ليس هناك عقل معين يقرر الحق فكل يدعيه بمقدماته العقلية، ومنطقه، وعلمه، وتأويله ومعرفته، وليس من السهل أن يسلم أحدهم للآخر، وبهذا لن يتمحص الحق والوصول إليه.

وهذا مؤادة تعدد الشرائع، والمسالك. وهذا ظاهر في بطلانه وفساده. لأنه يخالف الغاية المنشودة في الاستدلال العقلي للوصول إلى الحق المراد.



بحث عن بحث