الخـاتمـة

أحمد الله سبحانه وأثني عليه الخير كله، وأشكره فله الحمد والشكر، على ما منَّ به من إتمام هذا البحث بهذه الصورة التي أرجو أن تكون منطلقًا لدراسات منهجية مؤصلة لطلاب العلم بعامة وللطلاب السنة النبوية بخاصة، وهو كما أشرت محاولة استقرائية لما سطره علماؤنا الأجلاء وأئمتنا الفضلاء، وجمعه ليكون منطلقًا منهجيًا واضحًا لفهم السنة النبوية، ومن ثم العمل بها على وجهها الصحيح، وتكوين أرضية مشتركة في ذلك، ومحفزًا لدراسات أعمق من ذوي التخصص، أردت منه أن الجمع كما ذكرت مع الإفادة من علم أصول الفقه لئلا تزداد الفجوة بين طلاب الحديث، وطلاب أصول الفقه، والفقه بدعوى التخصص فهي كلها حلقات في سلسلة متصلة.

وأجزم هنا أن هذه الدراسة فيها من النقص ما فيها وتحتاج إلى إكمال وتصويب، وزيادة وتعديل، ولكن هي منطلق لحال تكثر فيه المستجدات، ولمستقبل يحتاج إلى جهد يكمل بعض بعضا، هكذا أحسب مما أقرأ وما أسمع وما أرى، فإن كان صوابًا فأسأل الله تعالى الإثابة عليه، وإن كان غير ذلك فأسأل الله العفو عن الزلل والتقصير.

¡¡¡

وكما أشرت في المقدمة، فهذه الدراسة هي محاولة لبيان منهج لفهم السنة النبوية، ومن ثم العمل بها.

ويمكن تلخيص هذا المنهج من خلال البحث في الوقفات الآتية:

الأولى: إدراك مكانة السنة النبوية، ومصدريتها في التشريع وعظم شأنها في دين الله عز وجل.

الثانية: حاجة هذا العمل الكبير لإخلاص النية لله سبحانه وتعالى، فالإخلاص هو المنطلق لفهم مراد الشارع، وللوقوف عند حدود الله عزَّ وجلّ، وعظم أثره على الفرد نفسه وعلى آرائه ونتيجتها العلمية والعملية.

الثالثة: بناء الفهم يبدأ من التثبت في الحكم على الحديث، وهذا يتطلب معرفة قواعد الجرح والتعديل، وقواعد التصحيح والتضعيف، ومناهج الأئمة في ذلك، وطرائق استخداماتهم لهذه القواعد وهذه الخطوة تنطلق من تحذيره عليه الصلاة والسلام من القول عليه بغير علم أو نسبة قول له أو عمل لم يقله أو يعمل به وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

وقوله عليه الصلاة والسلام: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار».

الرابعة: الاتجاه إلى فهم النص أو المتن من خلال أدوات الفهم التي فصلتها في تلك القاعدة مثل: معرفة سبب ورود الأحاديث، ومعاني الألفاظ، والجمل، وأثر معرفة اللغة العربية في ذلك.

الخامسة: مقارنة النص بالنصوص الحديثية الأخرى، وبيان الناسخ والمنسوخ، وعمل الخاص أو العام، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، وغيرها كل ذلك ونحوه من المهمات لفهم النص، وتكامله.

السادسة: من الضرورة لتحرير الفهم الدقيق مقارنة النص بما ورد في كتاب الله تعالى فهما صنوان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في التشريع، وكذلك مقارنته بالمصادر التشريعية الأخرى المجمع عليها وهي: الإجماع، والقياس، والمصادر الأخرى المختلف فيها كالاستحسان والمصالح الرسل وسدّ الذرائع وغيرها.

السابعة: وبما أن من أهم أدوات الفهم استخدام العقل الاستخدام الصحيح لما أعطاه الله سبحانه وتعالى من مكانة تؤهله إلى ذلك وتضعه في المكان اللائق به، وعدم الغلو فيه فيعلو على النص أو إلغاؤه فتتعطل كثير من حكم التشريع، ومن هنا فمن المهمّ معرفة حدوده ليكمل بناء الفهم السليم، ولتشعب الكلام فيه، وكونه عاملًا رئيسًا في انحراف كثير من الطوائف فقد فصلت فيه بما أظنه يحتاج إليه.

الثامنة: ولأثر الأعراف والتقاليد على أحوال الناس وسلوكهم، وعزو كثير منهم فهمه للنصوص لما يراه من عمل الناس، فقد أفرد في قاعدة بتبيين علاقة النصوص بالعرف وأثر هذه العلاقة على فهم النص.

والتاسعة: ومن منطلق المتعامل مع النص له شخصيته التي يجب أن تجتمع فيها سمات تؤهلها للنظر في النصوص النبوية وحسن التعامل معها، والانطلاق من ضوابط تحدد حسن المسيرة أفردت ذلك كله في قاعدة توضح كيفية تنزيل النص على الواقع أو الحادثة التي يراد الحكم فيها.

العاشرة: إعمال هذه القواعد له أثر إيجابي في سلامة المنهج، وخلافها يجنح بالمتعامل مع السنة النبوية في انزلاقات منهجية لذا ختمت البحث بشيء من الإيجاز عن هذا الأثر، وأهم المخالفات المنهجية، وأسباب هذه المخالفات، ولعلَّ هذا من مكملات البحث.

الحادية عشرة: كل ما سبق ضمنته بعض الأمثلة التطبيقية السريعة ولم أطيل فيها رغبة في الاختصار، وتحقيق الغرض المراد وهو محاولة جمع هذه القواعد في وحدة واحدة.

وبعد: هكذا أحسب، وهكذا عملت، ولا أشكُّ أن الموضوع في غاية الأهمية، ويحتاج من المختصين التصويب والتعديل والزيادة والنقص، والإسهاب والشرح، أو الاختصار، فنحن في زمن تشعبت فيه العلوم وتنوعت وامتزجت بغيرها، وفي الوقت نفسه يدعى للتخصص وإعلاء شأنه، هذا مما تجعل المهمة متكاملة وليست فردية حتى تضبط مسيرة فهم السنة الفهم الصحيح، وتحجب الأبواب المؤدية للإفهام المنحرفة علوًا أو تقصيرًا، أو التي تدعو إلى تعطيل السنة أو بعضها، أو تأويلها، فإذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى بذلوا الجهود التي أبهرت العالم على مدار التاريخ فلأن نقتفي بعض أثرهم، ونواصل المسيرة لهو من أعظم المهمات. حقق الله ذلك وبلغنا إياه.

ولعل من حسن الختام أن أطرح بعض النتائج التي لمستها في رحلة هذا البحث:

1- الحاجة ماسّة للمزيد من إعلاء مكانة السنة في النفوس علمًا وعملًا، وبذل الجهود المتواصلة في ذلك. فهي من أعظم القربات وأجل الطاعات.

2- إحياء السنة في العمل أمر في غاية الضرورة، وإبراز ذلك في كافة المنتديات العلمية.

3- لقد ترك الأول للآخر شيئًا كثيرًا فالمهمة عظيمة والواجب كبير على أهل التخصص بخاصة، وعلى أهل العلم بعامّة، فالتأصيل للفهم، وبيان ضلال المنهاج المنحرفة – وبخاصة ما يجد منها كما نعيش في هذا الوقت منهجية التأويل والتحريف للسنة، والعبث بقواعد القبول والرد – ونحوها – من أهم الواجبات على عاتق أهل الشأن لبيانها.

4- لا زالت الدراسات المنهجية التخصصية ناقصة وتحتاج إلى مزيد وتكميل، ولا يقتصر على جوانب تحقيق الأمهات ونحوها من المناشط الذي أخذت حظًّا طيبًا في الأقسام العلمية التخصصية.

5- وهذا يدعو لمزيد من الندوات والمؤتمرات واللقاءات العلمية وورش العمل وحلقات النقاش لتتعاضد مع الأقسام العلمية في أداء الواجب فالمساحة كبيرة.

6- التواصي بالحق، وبالدعاء، وبالصبر من أهم العوامل لأداء هذه الغاية، وتصفية النفوس من أهوائها، ومن شوائب الشيطان من أكبر ما يقود النفوس إلى النتائج المذهلة.

وأسأل الله سبحانه وتعالى – في الختام - أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال وحسن الإقتداء بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وأن يجعلنا من أهل سنته وأن يحيينا عليها ويميتنا عليها ويبعثنا عليها، ويحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وأن يثيب على هذا الجهد وما فيه من الصواب، وأن يعفو عن التقصير والخطأ والزلل، وأن يجعله من المدخرات في الحياة وبعد الممات إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

كتبه

أ. د. فالح بن محمد بن فـالح الصغيّر

المشرف العام على موقع شبكة السنة وعلومها

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

RRRRR



بحث عن بحث