الـمقدمة                               

الحمد لله الذي أنزل على عبده الوحيين، وأنار بهما طريق السالكين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين بشيرًا ونذيرًا، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، حتى أتاه اليقين، وعلى آله وأصحابه الذين رفعوا لواء السنة، وعملوا بها، ونشروها ودعوا إلى تطبيقها، وذبوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وعلى التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعث الخلق أجمعين، أما بعد:

فلقد تظافرت أقوال أهل العلم على أن الاشتغال بالعلم الشرعي طلبًا وعملًا ونشرًا من أنفس ما تعمر به الأوقات، وتمضى فيه الأعمال، وأعظم ما يدخر في العاجل والآجل، وأجلّ ما يُرفع به الذكر في الدنيا والآخرة، وأسرع ما يؤدي إلى السعادة في الحياة وبعد الممات، وأجلّ العلم الشرعي علم أصول الدين، المعتمد على المصدرين الأساسيين ـ الكتاب الكريم والسنة النبوية ـ.

وهذه الكلمات هي مشاركة متواضعة لفكرة طالما سألت نفسي عنها، وبحثت عنها في بطون المراجع، وناقشت فيها عددًا من العلماء والمختصين، وقد ألفيتها متناثرة في هذه المراجع، وكل واحد من العلماء يسهم في جانب منها، عظّم الله تعالى لهم الأجر والمثوبة.

وهذه الفكرة هي هل من سِفرٍ يجمع تلك الأفكار ليشكل مادة يدرسها الدارس ويتأملها ويحاول تطبيقها، تكوّن في مجموعها منهجًا متكاملًا لفهم السنة النبوية الفهم الصحيح؟!

إن الدارس للسنة النبوية الدراسة المتعمقة ليجد هذا المنهج الوضوح ينافي الاحتياج إلى الفهم فيما كتبه السلف الصالح وجمعوه، لكننا نحتاج إلى كيفية العمل به.

ومن هنا يمكن إبراز أهم الأسباب الداعية لهذا البحث:

1- إبراز مكانة هذا المصدر الأساس للتشريع الإسلامي بالسنة النبوية-، وتعظيم شأنه في النفوس، ودراسته الدراسية الصحيحة المبنية على المنهج السليم.

2 ـ ما ظهر في الآوانة الأخيرة من دراسات نظرية حول السنة النبوية ومنهج فهمها، وهذه الدراسات جنحت غلوًا أو تقصيرًا، إفراطًا أو تفريطًا، أفقدها أهمية النص الشرعي الصحيح فغلبها الهوى متقلدة قصورًا في الفهم وانحرافًا في العمل.

3 ـ يضاف إلى ذلك بعض الدراسات التي جنحت بالسنة النبوية إلى عقول الرجال فحكّمت هذه العقول على السنة النبوية، فأصبحت حاكمة عليها، ونتج عن ذلك فتاوى وآراء وأحكام ضلت الطريق المستقيم في فهم السنة النبوية فالممارسات الخاطئة هي نتيجة الفهم المنحرف فعادت بالنتائج السلبية، وإن كان هذا المنهج قد وجد قديمًا عند المعتزلة وغيرها من الفِرق الضالة، إلا أنه يتجدد في كل عصر بأشكال وأنماط مختلفة فتوجب على أهل الاختصاص أن يدلوا بدلوهم موضحين وناقدين.

4 ـ وأمر رابع ما حصل من الخلط في مفهوم السنة النبوية؛ إذ من المعلوم أن السنة لفظ مشترك بين سائر العلوم الشرعية، ـ كما سيأتي توضيحه وبيانه ـ كما أن لفظ السنة لفظ أخذ حظًّا وافرًا من الدراسات الاستشراقية التي نحت مناحي تستدعي الوقوف والتأمل والنظر.

5 ـ على مدار التاريخ والسنة النبوية تواجه غزوًا مركزًا أخذ أشكالًا وأنماطًا متعددة ومختلفة، ومن ذلك القدح في ناقليها، والتعرض لقواعدها، أو تأويل نصوصها، أو جحدها وهذا يتطلب التوضيح والبيان.

6 ـ ظهور الاهتمام بالسنة النبوية دراسة علمية نظرية وتطبيقية، واهتمامًا من فئات من الأمة وبخاصة الشباب في تطبيق السنة، وهي خطوة رائدة مما تستدعي الوقوف والتأمل لتبيُّن المنهج السليم في الفهم والتطبيق حتى لا تزل القدم، وينحرف النهج.

7 ـ هذه الدواعي يضاف إليها داعٍ أساس وهو ما يمليه الواجب الشرعي لتذاكر الدراسات التطبيقية والمعينة على نشر هذه السنة، والأجر العظيم، والثواب الجزيل العاجل والآجل، المتمثل بقوله صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث المتواتر ـ «نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، فأدّاها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع» وفي رواية: «فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».

¡¡¡

هذه هي الدواعي الباعثة لهذه الدراسة، أعتقد أن واحدًا منها كافٍ للبحث والمناقشة والدراسة، فكيف باجتماعها جميعًا.

وقبل بيان عناصر هذه الدراسة أشير إلى أن هذه المحاولة فردية في جزء مما نعايشه في الوقت الحاضر لعلّها تكون لبنة سليمة في هذا البناء المتواصل منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، ولعل هذه اللبنة تجد من يغذيها من أهل العلم والاختصاص، فكما أشرت أن الواجب كبير، والمسئولية عظيمة.



بحث عن بحث