الوقفة الثالثة:

أهمية الوقت

دلّ الحديث دلالة واضحة على أن عمر الإنسان في هذه الحياة أنفاس معدودة ووقت محدود ينتهي بالموت، وقد نوّه الله تعالى بأهمية هذا العمر، الذي هو مجموعة من الأوقات، ولأهميتها أقسم الله عزوجل بها، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ ﴿1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [سورة الفجر:1 - 2] ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴿1 وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى  [سورة الليل: 1 - 2] ﴿ وَالضُّحَى ﴿1 وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [سورة الضحى: 1 - 2]، وقد نوّه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم  بأهمية العمر في غير ما موضع وغير ما مناسبة.

فعن ابن عباس بقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

وقال عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

وتأمّل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانظر كيف انتقى كلماته في التعبير عن أهمية الوقت والعمر «اغتنم» فأي غنيمة ينالها ذاك الرابح إذا هو استغل هذه الخمس ولم يضيعها ولم تكن تجارته فيها خاسرة؟

إن هذا العمر هو ميدان الإنسان للعمل والإنتاج لما يجده غدًا عند الله تعالى، ولذا سيندم من فرط في وقته وضيّعه عندما يقول: ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ  ﴾ [سورة المنافقون: 10].

وسيندم المضيع لوقته عندما يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، فيقولون: ربنا أخرجنا نعمل صالحًا.

ولذا ورد الشرع بالحث على العمل والمبادرة إليه كما هو واضح في الحديثين السابقين. وجاءت أقوال السلف وأعمالهم مطبقة لهذا المبدأ العظيم.

قال عمر ا: التؤدة في كل شيء خير، إلا ما كان من أمر الآخرة.

وكان الحسن يقول: عجبًا لقوم أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، وحبس أولهم على آخرهم، وهم قعود يلعبون.

وقال سحيم مولى تميم: جلست إلى عبد الله بن عبد الله فأوجز في صلاته، ثم أقبل عليّ وقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر، فقلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت، وكان يصلي كل يوم ركعات كثيرة.

وكانوا يبادرون بالأعمال غاية ما يمكن، فكان ابن عمر يقوم في الليل فيتوضأ ويصلي، ثم يغفي إغفاء الطير، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، ثم يغفي إغفاء الطير، ثم يقوم ويصلي يفعل ذلك مرات.

والمسلم تجاه وقته على ثلاث شعب:

- وقت مضى فيحاسب نفسه ما ذا عمل فيه.

- ووقت حاضر ينبغي أن يجاهد نفسه ويراقب فيها ربه، فيعمل لآخرته كما قال ابن عمر ا: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك».

- ووقت يأمله فيخطط له ويحيا له على عمل صالح.

وهذا هو حال ابن آدم لا يخلو حاله عن واحد من هذه الثلاث، فأما ما مضى فقد مضى وانتهى زمنًا ولكن لم ينته حقيقة إذ لا بد على الكيِّس العاقل أن يحاسب نفسه عليه، وينظر ما كان وما ينبغي أنه كان وماذا استفاد منه وماذا خسر؟

فعليه أن يعيد جميع حساباته كما يفعل التاجر في نهاية يومه. . يحسب ما له وما عليه من ربح وخسارة وديون وحقوق.

وأما الحاضر فعليه أن يسعى ويعمل بما فيه صلاحه وصلاح الآخرين؛ لأنه مستخلف في هذه الأرض لينظر الله تعالى كيف يعمل فيها، وأما المؤمل في المستقبل فليخطط له بما فيه مصلحته ولكن لا يكن هو شغله الشاغل فإنه لا يدري إذا جنَّ ليلٌ هل يعيش إلى الفجر؟

فكن وسطًا بين ما مضى، لا تقض حياتك في حسرة على فواته ولا مشغولًا في التخطيط في المؤمل مما يكون أو لا يكون .. ولكن اعمل لوقتك الذي تعيش وحاسب نفسك على ما مضى وخطط للمستقبل وكن متوازنًا في ذلك كله.



بحث عن بحث