الوقفة التاسعة

الآثار السلبية لعدم المحاسبة

قد يلهو الإنسان ويسهو ويغفل وينشغل ويتشاغل وتغرّه نفسه وشيطانه فيترك المحاسبة ويستمر في لهوه وانشغاله وحينئذ تورث له هذه الغفلة وذاك التغافل والتناسي آثارًا سلبية، أذكر بعضها باختصار:

1- الاستمرار في المعصية: فإذا ترك الإنسان نفسه دون أن يوقفها فيسألها عما فعلت وقدمت في هذه الحياة الدنيا فإنه ولا شك سوف يظل ماشيًا في طريقه على ما هو عليه من ذلك. والنفس إن لم يتنبه لها صاحبها تستمر على معصيتها، فيزداد الإثم، ويزداد الران على القلوب ويسيطر عليها.

2- الغفلة أو التغافل: عدم المحاسبة للنفس دليل الغفلة ويؤدي إلى الغفلة وتعميقها، فيفوته من المصالح الشيء الكثير، ويحصل له من السلبيات ما لا يحصى، ويكفيه أن يجعل من الغافلين.

3- تراكم الأخطاء: وهذا حاصل ما سبق من الأعمال، فهو مع مضيه في الحياة وغفلته عن نفسه ومحاسبتها تتراكم الأخطاء عليه ولا شك، وذلك نتيجة غفلته واستمراره في معصيته.

4- عدم التصحيح للفعل: إذ بدون المحاسبة يظل العبد سائرًا على ما هو عليه، من خطأ، وبالتالي فلن يقف مع نفسه للتصحيح والتعديل والتصويب، فكل بني آدم خطاء، فإن لم يحاسبوا أنفسهم لم يصححوا أخطاءهم ولم يصوبوا أفعالهم.

5- التفريط في الأعمال: لأن من طبيعة الإنسان النسيان والغفلة فيفوته مصالح كثيرة، فإن لم يحاسب نفسه وقع في فوات كثير من الأعمال الصالحة التي تدخر عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان مع تصحيح أفعاله وسلوكه قد يقع فريسة هوى أو شهوة أو شبهة فينزلق في المخاطر والمهالك، فإذا حاسب نفسه أنقذها وألجمها بلجام الشرع وقادها إلى الحق وألزمها فيه.

6- التفريط في المناسبات الشرعية: وهذا من أعظم الآثار السلبية لعدم المحاسبة، لأن العبد عند التقصير وتفويت مواسم الخيرات لن يسترجع ويستدرك ما فاته بدون المحاسبة.

والله جل وعلا قد أكرم هذه الأمة بمناسبات عظيمة مثل شهر رمضان وعشر ذي الحجة والحج ويوم الجمعة وآخر كل ليلة، وغيرها من الأزمنة أو الأمكنة مما يجدر بالإنسان المسلم العاقل أن يستغلها، فإن لم يحاسب نفسه فاتته هذه المناسبات التي تضاعف فيها الأجور وتكفر فيها السيئات.

7- السير على جهل وهوى وفي ظل الشهوات والشبهات.

8- سهولة إغواء الشيطان: وهذا واضح إن لم يتدارك نفسه بحمايتها، والشيطان حاضر ومعركته مع الإنسان مستمرة، فإذا غفل تسلط عليه أما إذا حاسب نفسه فقواها ومتنها هرب منه.

9- تراكم الأعمال وعدم إنجازها: وهذا نتيجة عملية من عدم التنبه من الإنسان إلى حاله فتتراكم عليه الواجبات والأعمال ومن ثَمَّ لا يستطيع إنجازها، فيفاجئه الأجل فيندم ولات حين مندم.

10- الرؤية غير السليمة والغبش في الرؤية تجاه كثير من الأمور: والمقصود بذلك أن العبد إذا لم يحاسب نفسه تمادت في أوضاعها وحالها، فإذا أراد أن يتبصر بأمر من الأمور لم يتضح له سواء كانت هذه الأمور خاصة له أو عامة للأمة ويريد أن يعرف الحق فيها، ويظهر هذا بوضوح في حالة تكالب الأعمال على الإنسان وتكاثرها أو في الفتن العامة على الأمة.

11- الانشغال عن ميادين صالحة: وهذا محصّله ما سبق في 1، 2، 3، وما بعدها فيفوته من أعظم العبادات القلبية كالصبر والشكر التي ترفع العبد في مقامات عليا في الدنيا والآخرة.

12- المحاسبة العسيرة أو شدّة الحساب يوم القيامة: لأن من أهمل محاسبة نفسه في الدنيا اشتد عليه الحساب في الآخرة، وقد مر معنا كثير من النصوص وأقوال السلف في توضيح هذا الأمر، ولو لم يكن إلا هو من الآثار السلبية لكفى فكيف باجتماع تلك الآثار الخطيرة؟!

13- الندم يوم لا ينفع الندم: وهذا تابع لما قبله فيأتي عند الموت وبعد الموت ليندم فلا ينفعه ندمه لأنه أهمل نفسه وترك لها الزمام ولم يعسفها على الخير والهدى فأردته المهالك.

هذه نماذج من الآثار وواحد منها كافٍ لبيان أهمية المحاسبة فكيف باجتماعها، فحري بالمسلم الذي يريد النصح لنفسه أن يحاسبها على ميادينها المتعددة التي سبق ذكرها.



بحث عن بحث