الوقفة الحادية عشرة 

معوقات المحاسبة

وبعد ذكر هذه الوسائل أرى أن هناك معوقات للمحاسبة.. فيا ترى ما الذي يجعل الإنسان يهمل محاسبة نفسه، أو لا يقوم بها؟

ومن المعوقات ما يكون في داخل الإنسان، ومنها ما هو خارجه، والإنسان يعيش في هذه الدنيا في صراع دائم، وسيظل ممتدًّا مستمرًّا حتى يبلغ الأمان في الآخرة، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4] وهذا هو وصف رب العباد لحال العباد، فكل إنسان مخلوق في كبد، ولا تنس أيها المؤمن عدوك في هذه الحياة الذي وعد رب الأرباب بالمعاداة لبني الإنسان حتى قيام الساعة، فكيف بك وقد عرفت أن هناك عدوًّا يتربص بك ويطاردك بكل ما أوتي من قوة وقد نصب كل الشراك للإيقاع بك، وأنت طريدٌ لا ملجأ لك إلا مكان واحد تصل إليه فلا يكاد يصلك وهذا هو الأمان الأخروي.

وأرى أن من أهم وأبرز المعوقات ما يأتي:

1- الميل مع الشهوات النفسية، ولو كانت مباحة. فتعيش النفس مع شهواتها ورغباتها، فتنسى وتلهو حتى تقع في المحظور وتغفل عن الله تعالى.

2- التسويف، فـ «سوف» من جنود إبليس، وسبب طول الأمل والتسويف أمران:

أحدهما: حب الدنيا، والثاني: الجهل.

وأكثر صياح أهل النار من «سوف» وأصل هذه الأماني كلها حب الدنيا والأنس بها، والغفلة عما يؤثر من القول مثل: «أحبب من شئت فإنك مفارقه».

الثاني: الجهل، وهو أن الإنسان يعول على شبابه ويستبعد قرب الموت مع الشباب.

أو ليس يتفكر المسكين في أن مشايخ بلده لو عُدّوا كانوا أقل من العشر؟ وإنما قلّوا لأن الموت في الشباب أكثر.

3-  الصحبة البطالة .. وهي من أهم وأخطر المعوقات؛

إن الشباب والفراغ والجدة          مفـسـدة للمرء أي مفسدة

فكما أن الصحبة الصالحة من أهم وسائل النجاة فكذلك الصحبة البطالة من أهم المعوقات وأسباب الهلاك.

4- الاقتصار في الأعمال الإيجابية على الواجبات فقط، وهذا قصور ودناءة في الهمة فأنت ولا شك مقصر في الواجبات، فلو اكتفيت بها كانت صحائفك خفيفة في الميزان بالصالحات، ولذا أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم  إلى كثرة النوافل، لأنها مكملة للقصور الحاصل في  الواجبات وتزيد في الحسنات وتكفر السيئات.

5- الجهل وعدم العلم .. فكيف بك أن تعرف الصواب وأنت على جهل، ولم تحرص على طلب العلم. والجهل ظلام دامس وسم قاتل وسبب للشقاء وموصل إلى الهلاك وطريق إلى الضلال، فلا شك أنه من أعظم المعوقات، فعلى المسلم أن يتخلص منه ولو بالسؤال والمناقشة.

6- أكل الحرام والتجرؤ عليه، وهو من أعظم المهلكات وأسباب العقوبة في الدنيا والآخرة، والحرام يذهب بالحلال .. فاعتبر.

7- الشيطان وهو العدو الأكبر للإنسان فانظر كيف تحارب عدوك؟ وقد أعلن العداء لك، وأقسم أن يغويك وأن يجعلك في حزبه إلا من تحصن عنه فكن من هؤلاء المتحصنين فلا يغرك ويرديك المهالك.

8- الانشغال بالدنيا وكثرة التفكير فيها، ومعنى هذا أنها ستمتلك عليك الفؤاد، فإذا تملك حب الدنيا والانشغال بها فؤادك، فكيف يكون للآخرة والإيمان نصيب فيه.

إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة أيقن أن نعيمها ابتلاء وحياتها عناء وعيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على  وجل إما بنعمة زائلة أو بليّة نازلة أو منيّة قاضية.

مسكينٌ من اطمأن ورضي بدارٍ حلالُها حساب، وحرامها عقاب، إن أخذه من حلال حوسب عليه، وإن أخذه من حرام عُذب به، من استغنى في الدنيا فُتن، ومن افتقر فيها حزن، من أحبّها أذلته ومن التفت إليها ونظرها أعمته.

9- ترك المجاهدة لأنك إن تركت مجاهدة النفس قادتك ولم تقدها، وإذا ما قادتك نفسك الأمارة .. فأين تكون؟ لا شك أنه للسوء.

أعانني الله تعالى وإياك وكل مسلم ومسلمة على مجاهدة أنفسنا ومحاسبتها وييسر لنا ذلك، وجعل عاقبتنا كلها إلى خير، إنه سميع قريب.



بحث عن بحث