كيف تستغل رمضان؟

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان ونسأله جل وعلا أن يعيننا على الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحة على الدوام، أحمده سبحانه وأشكره على الإحسان والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى  آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

عباد الله:اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم العظيمة ومن أجلها التوفيق لعبادته سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون:في هذا اليوم الأغر يبدأ شهر رمضان المبارك، شهر لا كالشهور، هو منحة من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين يتسابق فيه المتسابقون، ويوفق فيه المتنافسون، وهو فرصة للعاصين للتوبة، وفرصة لأهل الطاعة للمزيد.

أيها المسلمون:في الصيام تكفر السيئات كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وجاء في الحديث الصحيح الآخر: « كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به» فكما يكفر السيئات فهو يرفع الدرجات ويعطي فيه المولى جل وعلا ما لا يعلمه بشر، فلا يحد أجره بحد، ولذا فقد فرض الله جل وعلا في هذا الشهر المبارك صيام نهاره؛ لذا قال جل وعلا: ) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون( [البقرة: 183].

ففي هذا الصيام التقوى، تقوى القلب، وتقوى الجوارح، وتقوى الأعمال؛ لتقي العبد من النار يوم القيامة، وترفعه درجات عليا عند الله جل وعلا، ويتقبله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: ) إنما يتقبل الله من المتقين( [المائدة: 27]، وجاءت الآيات كثيرة في تكفير سيئات المتقين، ورفعة درجاتهم، ورزقهم الجنة.

وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام ليله، والمقصود بهذا القيام هي صلاة التراويح كما فعلها عليه الصلاة والسلام حيث أخبرت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس، فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها» ثم لما جاء زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: «إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل» ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه فكانت صلاة التراويح.

فليحرص المسلم على كل ما يقربه إلى المولى جل وعلا مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، فهذه أعمال جليلة ابتداء بالمفروض منها من الصيام وبالمستحب منها كما ذُكر من القيام وقراءة القرآن والجود والإحسان.

أيها المسلمون:شهر رمضان فرصة للمبادرة والمنافسة كما كان عليه الصلاة والسلام يعطي هذا الشهر ما لا يعطي غيره، ويتفرغ فيه ما لا يتفرغ لغيره، ولا أظن مخلوقاً أعظم وأكثر أعمالا منه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك يتفرغ في هذا الشهر العظيم لعبادة ربه جل وعلا بما ذُكر من هذه العبادات.

أيها المسلمون:الموفق هو الذي ينافس، وهو الذي يستغل الوقت وهو الذي يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اقتدى به الأئمة من الصحابة وغيرهم حتى روي عن بعضهم أنه كان يختم القرآن في عشر، وبعضهم في سبع، وبعضهم في ثلاث، كل بحسبه، فاجعل لنفسك وردًا خاصًا في هذا الشهر، حتى إن كثيرًا من أهل العلم يتفرغ عن مدارسة العلم للقرآن والذكر والعبادة والدعاء وغيرها، فنافسوا غيركم عباد الله، وسابقوا غيركم في هذا اليوم وما بعده من أيام هذا الشهر.

إن إدراكك لهذا الشهر المبارك فرصة أيما فرصة، ومنحة أعظم منحة، فقدّم لنفسك ولا تتوانى، ولا تعجز واجتهد بكل ما تستطيع من الاجتهاد؛ لأن هذه أيام معدودة وساعات محدودة إن لم توفق فيها فمتى توفق، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «  أتاني جبريل، فقال: رغم أنف رجل أدرك رمضان فلم يغفر له أو فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين».

فاتقوا الله عباد الله، وبادروا وجدوا واجتهدوا عسى الله تعالى أن يجعلنا جمعيًا من المتقبلين في هذا الشهر المبارك.

اللهم أعنا على الصيام والقيام وسائر العبادات والأعمال الصالحة، واجعلنا من المتقبلين فيه، اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، ومن الموفقين لقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

!  !!

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا جل وعلا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والأخرى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله:من المعلوم أن الحسنة لا تكتمل إلا بترك السيئة، وفي هذا الشهر المبارك يظهر مظاهر من بعض المسلمين هداهم الله في عدم استثمار هذا الوقت، بل وبعضهم يمارس أعمالا سيئة تقضي على ما حصل من الحسنات من الصيام وغيره، ولذلك يحذر المسلم في هذا الشهر من ضياع الأوقات في القيل والقال، وفي كثرة الكلام من الغيبة والنميمة والكذب والزور والغش في البيع والشراء وغيرها، ومما يحذر منه عباد الله أشد الحذر ما يُقضى به ليل كثيرين من الجلوس عند الفضائيات وبخاصة في هذا الشهر الذي تتنافس فيه كثير من الفضائيات ببث المسلسلات والتمثيليات الخاصة في هذا الشهر، وهي مليئة بالمحرمات والمكروهات ما ينقض الشهر وما ينقض أجره، والنظر إلى هذه المحرمات هو شديد جدًا قال جل وعلا ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم( [ النور: 30] وقال جل وعلا ) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن( [ النور: 31] لذلك عباد الله الحذر الحذر الشديد من العكوف عند هذه الفضائيات، وكذلك من العكوف عند النت والمحادثات الهاتفية والنظر إلى الصور وغيرها مما يضيع الليل العظيم، ليل هذا الشهر وبخاصة في آخره عندما يتنزل الرب جل وعلا إلى سماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وعظمته فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».

وهؤلاء هداهم الله يعكفون على هذه الشاشات يضيعون أوقاتهم ويجلبون لأنفسهم ولأسرهم من السيئات ما لا يعلمه إلا الله جل وعلا، ونسأل الله أن يجازي أولئك الذين عملوا هذه المسلسلات لتخدير المسلمين، ولإبعادهم عن روحانية هذا الشهر، وعن كسب الحسنات إلى كسب السيئات، نسأل الله أن يهديهم وأن يجازيهم بما عملوا، وأن يجازيهم بما يستحقون من هذه الأعمال السيئة، ألم يعلموا أن عليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة بعكس ذلك الموفق الذي ينافس ويأمر أهله وأولاده ويحثهم على فعل الطاعات أو يعمل في الإغاثة والتفطير ونحو ذلك مما يكون له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة.

ومن المحاذير عباد الله في هذا الشهر؛ أن يتأفف الإنسان من الصيام أو من القيام أو من الدوام أو من الأعمال التي كلف بها، وهذا التأفف ما جاء إلا من أجل الصيام والعياذ بالله، فهذا مما يُنقص الأجر، وينبئ عن اعتراض هذا المسكين على المولى جل وعلا في تشريعه لهذا الصوم، وما علم أنه قد يرتفع عند الله درجات عليا بسبب صوم يوم واحد؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: « من صام يوما في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا ». فإذا كان هذا في صوم النفل فما بالكم بصوم الفريضة.

أيها المسلمون: إنها الأعمال الصالحة تقبل عليك في هذا الشهر بأنواعها فاجعل لنفسك ولأهلك نصيبًا كبيرًا من الصيام والقيام وقراءة القرآن، وزد على ذلك من المشاركة في الإحسان بأنواعه وبالذات للأقارب والأصدقاء والجيران والمساكين والضعفاء والأرامل والأيتام وغيرهم من التفطير وغيره، فكل ذلك إذا كان يضاعف من فضل الله جل وعلا في غير شهر رمضان ففي شهر رمضان أضعاف كثيرة، نسأل الله أن يتقبل من الجميع.

أيها المسلمون:بادروا ونافسوا قبل أن يفوت الأوان ما دمنا في أول الشهر، مع الحذر من المعاصي بأنواعها سواء كانت معاصي فردية أو معاصي جماعية.

أن يتقبأن يتقبل من الجميع

 ثم صلوا وسلموا على خير البرية وخير الصائمين كما أمركم الله في محكم كتابه العزيز حيث قال: ) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما([ الأحزاب: 56]

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

!!!



بحث عن بحث