المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الحياة السعيدة السوية مطلب كل إنسان
 

فإن السعادة والإنتاج في هذه الحياة هي مطمح كل إنسان، يسعى جاهدًا وبكل ما أوتي من قوة وقدرات لتحقيقها بالصورة التي تناسبه، حيث إن مقاييس السعادة تختلف من إنسان إلى آخر، فمن الناس من يراها في جمع المال والمسكن والمركب، ومنهم من يراها في الأموال والأولاد، ومنهم من يراها في العلم والسلطة والجاه، ومنهم من يراها في التقوى والعمل الصالح، ومنهم من يراها في كل ذلك جميعًا.

وبما أن الطموح إلى تحقيق هذه الغاية وحصولها على أرض الواقع هو مطلب جميع البشر، لذا وأن هذه الغاية تعدّ فطرة كامنة في نفس كل إنسان، فإن الإسلام جعل تحقيق السعادة للناس من المبادئ المهمة التي يسعى إليها، في حياته الدنيا وبعد مماته في الأخرى، وقد بيّن القرآن والسنة كثيرًا من الأسباب والعوامل التي تحقق هذه الرغبة للناس، كالذكر والاستغفار وتقديم الأعمال الصالحة بين يدي الله تعالى، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾، وغير ذلك من الأسباب التي يطول المقام في سردها.

ولكن يختلف الناس والأمم في كيفية الوصول إلى تحقيق السعادة الحقيقية في واقعهم، فكلٌّ منهم يستخدم مجموعة من الوسائل والأساليب التي يرى أن السعادة تأتي من خلالها، حسب التصورات التي يؤمنون بها عن الحياة والكون والإنسان.

امتلاك المسلم للأسباب الحقيقية للحياة المطمئنة
 

ومن هذا الأساس فإن المسلمين يملكون الأسباب الحقيقية لتحقيق هذه السعادة للناس جميعًا، لأنهم يأخذون قوة هذه الأسباب والعوامل من هذا الدين الذي شرعه الله تعالى وهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يسرّه وما يحزنه، ويعلم ما تتطلع إليه رغباته وأشواقه، وهذه العوامل متوفرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن الناس يختلفون ويخطئون أحيانًا في كيفية استخراجها واستغلالها بصورة صحيحة لتحقيق السعادة لأنفسهم.

فكان لابد من وجود منهج قويم يحدد الخطوط العريضة والقواعد الثابتة التي يمكن الاستفادة منها في الحركة والسعي للوصل إلى السعادة الحقيقية في الحياة.

¡  ¡  ¡

هدف البحث وأسبابه
 

ويأتي هذا البحث ليوضح مجموعة من هذه القواعد للمنهجية الصحيحة، مستقاة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ليكون إسهامًا متواضعًا للقدم نحو الأمام، وكشف الغمة عن كثير من الناس، لا سيما أولئك الذين يعانون القلق والاضطراب في الحياة، حين تاهوا عن المنهجية القويمة التي تحقق لهم السعادة، وذلك لما رأيت اليوم من اضطراب كثير من مناهج حصول السعادة وكثير منها خاطئ، وكذا ما رأيت من كثرة الأمراض النفسية والروحية وغيرها، علها تكون نافعة في بابها.

¡  ¡  ¡

وظائف هذه القواعـد
 

وهذه القواعد التي ترسم منهج الحياة السعيدة، هي في الوقت نفسه وقاية من كثير من الآفات والأخطار التي تواجه الإنسان في حياته فيتجنبها، وقد أمرنا بالوقاية وتجاوز العقبات ليستثمر الإنسان مسيرة حياته للوصول إلى الغاية التي ينشدها.

منهج البحث
 

وهي في الوقت نفسه علاج لكثير من الأمراض وبخاصة النفسية منها، كالقلق والاكتئاب والاضطراب والشكوك والأوهام، كما هي علاج أيضًا لما يعانيه الإنسان في كثير من أحواله من غلبة نفسه وهواه، فتطغى عليه بعض الأمراض الأخلاقية، كالحسد والبغض والحقد والتعدي على حقوق الآخرين، وما منحهم الله تعالى بما اقتضته حكمته وعدله سبحانه وتعالى.

آمل أن تحقق هذه الكلمات غاياتها لتكون منارة يستنير بها كل مسلم يسير في دربه إلى الغاية الكبرى رضى الله تعالى والجنة.

¡  ¡  ¡

وقد راعيت في هذا البحث الإيجاز قدر الإمكان، مع محاولة الاستيفاء، موضحًا للقاعدة، وذاكرًا بعض الأدلة عليها، وما نحتاجه من وسائل وطريقة التطبيق والعمل، كما راعيت منهجية البحث من حيث التحقيق والعزو للآيات والتخريج للأحاديث.

وفي ختام هذه القواعد سطرت نتائج مختصرة تذكر بما مضى من البحث.

وبعد فهي كلمات اجتهادية قابلة للزيادة والنقص، حرصت أن تؤدي الغرض المطلوب منها.

أسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات، إنه سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

فالح بن محمد بن فالح الصغير

المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث