القاعدة الأولى

قوّ إيمانك بالله جل وعلا

الإيمان ينبع من اعتقاد القلب وتصوراته
 

إن أعمال الإنسان وسلوكياته في الحياة هي إفراز لمجموعة من التصورات والعقائد التي يؤمن بها، فكل ما يصدر من هذا الإنسان على ظهر الأرض إنما هو نتيجة أو أثر من آثار العقيدة التي يؤمن بها، وبالتالي فإن الخير الذي يسري في الأرض والشر الذي يقف في طريقه إنما هما من نتائج تصورات الناس وعقائدهم.

أول موجبات الحياة السوية العقيدة الصحيحة
 

وهذا يعني أن العقيدة السليمة الصحيحة هي التي تصنع الخير وتقوّم الحياة، وأن العقيدة الفاسدة تصنع الشر وتزهق الحياة، ومن أجل ذلك كانت من أولى موجبات تحقيق المنهجية القويمة للحياة هو اعتناق العقيدة الصحيحة التي علمها الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم  وأمر المؤمنين بها، وهي الإيمان بالله إلهًا واحدًا، وإفراده بالعبودية دون سواه، والإيمان بتوابع هذه العقيدة ومقتضياتها من الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة على الرسل والإيمان بالرسل والأنبياء والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره كما أخبر صلى الله عليه وسلم  حين سئل عن الإيمان في حديث جبريل عليه السلام: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره».

¡  ¡  ¡

فالإيمان بالله تعالى هو القاعدة الأولى للسير على النهج الصحيح في الحياة والانطلاق نحو تحقيق السعادة الحقيقة فيها.

¡  ¡  ¡

وقد جاء الربط واضحًا في كثير من الآيات القرآنية بين الإيمان بالله تعالى والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وأنه من أهم أسباب السعادة للناس إذا توافرت شروطه وأركانه، وفيما يأتي بعض من تلك المعالم:

1 – الإيمان مع العمل الصالح يورث الحياة الطيبة السعيدة، يقول تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

2 – الإيمان يحقق الأمن والاستقرار في النفوس والمجتمع وحتى على صعيد الأمة، يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ .

3 – أن الله تعالى وليُّ المؤمنين تكفل بنصرهم وتمكينهم في الأرض، يقول تبارك وتعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

4 – أن الإيمان سبب من أسباب الريادة والقيادة للأمم في العالم،  يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ .

5 – الإيمان يمكّن الأمة المؤمنة في الأرض، ويمنحها العزة والكرامة في جميع أحوالها، يقول تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .

6 – الإيمان يحقق السعادة للإنسان في الآخرة ويدخله في جنة الله ورضوانه، يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، ويقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾.

وغيرها من الآثار والمعالم التي يصنعها الإيمان للإنسان في دنياه وآخرته.

¡  ¡  ¡

محاولة الكفار لزعزعة عقيدة المسلمين
 

ومن أجل هذا الأثر العظيم والثبات الراسخ الذي يمنحه الإيمان للأمة المؤمنة، لم يدّخر الكافرون والمنافقون على مرّ العصور جهودهم وطاقاتهم من أجل زعزعة هذا اليقين في نفوس المؤمنين والتشويش عليه، وقد أشار الله تعالى إلى مثل هذه المحاولات في مواطن كثيرة في كتابه المبين كما في قوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

إلا أن الله تعالى الذي تكفّل بحفظ المؤمنين وتولّى أمرهم، جعل هذه المحاولات تتحطم على صخرة الإيمان الصلبة، بل إنها زادت من إيمان المؤمنين وثباتهم، يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾.

وإن من فضل الله ومننه العظيمة، ونعمه الجليلة، أن جعل هذا اليقين في نفوس المؤمنين وحببه إليهم، وكرّه إليهم الكفر والشرك والنفاق، يقول تبارك وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.

التمسك بالعقيدة سبب لقيادة البشرية
 

ومن هنا فإن هذه الأمة التي جعلت توحيد الله تعالى عقيدة لها، سادت على الدنيا واستلمت زمام قيادة البشرية قرونًا عديدة، فقد صنعت هذه العقيدة القادة العظام، والعلماء العاملين، والدعاة الربانيين، الذين غيّروا مجرى التاريخ، وتركوا على صفحاته بصماتهم وآثارهم التي لا تزال تثير الدهشة والرهبة في أذهان وقلوب أعدائهم.

وحين تخلت الأمة في معظم شؤونها عن هذه العقيدة ومقتضياتها، ابتلاها الله تعالى بأنواع المحن والفتن، وتحوّلت من أمة رائدة وقوية إلى أمة تابعة وضعيفة، وينطبق عليها قول الشاعر:

كنا أساتذة الدنيا وسادتها           ما بالنا اليوم صرنا من الخدم

¡  ¡  ¡

وهكذا فإن الإيمان بالله وحده يصنع الحياة السعيدة للنفس والمجتمع والأمة، والتخلي عنه يفسد الحياة ويعرضها للمظالم والتناحر والقلق والاضطراب.

فأول منطلقات الحياة الحقة، وأول قواعد السعادة: الإيمان بالله تعالى، وما يقتضيه هذا الإيمان من الاعتقادات والسلوك والأعمال فاجعل هذا المنطلق واضحًا لديك.



بحث عن بحث