القاعدة الثالثة

حدّد هدفك في الحياة وخطّط له

أهمية تحديد الهدف في الحياة
 

لا حياة لمن لا هدف له، والشيء الذي يفصل بين الإنسان والدواب هو الغاية التي يسعى إليها ويعمل من أجل تحقيقها في الحياة، يقول تبارك وتعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  ﴾.

فإن الله تعالى الذي خلق السموات والأرض، وخلق فيهما ما شاء أن يخلق، وخلق الإنسان وأودع فيه إرادة وجعل له عقلاً ومنطقًا ينير دربه ويميز به الخبيث من الطيب، إن الله تعالى أراد أن يكون لهذا الإنسان غاية وهدفًا يحيا من أجلها، وقد عبّر عنها بقوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  ﴾.

والعبادة هي الاستجابة لنداء الله تعالى بإتيان ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه.

ويدخل في العبادة كل قول أو فعل أو خُلق يرضي الله تعالى ويحقق المصلحة للإنسان ومجتمعه وأمته.

فإذا حقق الإنسان – بداية – شهادة التوحيد بعقيدته، واستقر الإيمان في قلبه، وأدى أركان الإسلام بالجوارح، فإن له بعد ذلك أن يحدد لنفسه أي هدف أو غاية في الحياة، بشرط أن تكون محكومة بالضوابط الشرعية، وضمن حدود المباح.

وصدق الشاعر حين قال:

إذا الإيمان ضاع فلا أمـان
ومن رضي الحياة بغير دين

  ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
فقد جعل الفناء لهـا قرينا

اتحاد الهدف العام واختلاف الأهداف التفصيلية
 

وبذلك فإن الأهداف تختلف من إنسان لآخر، حسب ما أوتوا من قدرات ومواهب وأذواق، فمنهم من يجعل هدفه في الحياة الدعوة إلى دين الله تعالى والذب عن شريعته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي أسمى الأهداف والغايات، ومنهم من يريد أن يتعمق في علوم الفلك، وآخر يريد الرياضيات، وغيرهم يريد التجارة أو الزراعة، وهكذا، وكلها أهداف سامية ورفيعة إذا اقترنت بتقوى الله تعالى، وسُخّرت لرضاه ومنفعة المؤمنين، وبهذا يكون للإنسان هدف أعلى وهو تحقيق رضا الله سبحانه، وهدف في الحياة يكون طريقًا لرضى الله تعالى مثل: أن يكون عالـمًا، أو داعية، تاجرًا، طبيبًا، مهندسًا، مزارعًا، ... إلخ.

والمرأة كذلك: أمًّا مربية، أو معلمة، أو داعية، أو طبيبة، أو تاجرة، ... إلخ.

وهكذا، ويتفرع عن هذا الهدف أهداف قريبة بحسب الزمان والحال، كلها توصل إلى الهدف وتحققه. ومن هنا يكون سعي الإنسان بخطوات واضحة مستثمرًا لحياته، وعند التخطيط تكون الأهداف بهذا الشكل:

                           
   
الهدف الأعلى
 
 
     
 
   
الهدف المتوسط
 
   
وتتعدد الأهداف المتوسطة
 
 
     
 
     
 
   
الهدف القريب أو المباشر
 
 
متنوعة بحسب كل إنسان
 
 
     

 

ولكي تكون الأهداف سليمة يشترط فيها:

1 – أن يكون الهدف واضحًا للإنسان، فلا يكفي ما يملكه الإنسان من قدرة أو موهبة أو علم للوصول إلى تحقيق الغايات، وإنما لا بد أن يحدد هدفه الذي يسعى إليه ويحصر جل طاقته وعلمه في سبيل الوصول إليه، فإذا كان الهدف غير واضح فإن تلك الطاقة وذلك العلم لا يغنيان عنه شيئًا، بل يزيدان من اضطرابه وتشتته وضياع وقته هنا وهناك، وقد أكّد الله تعالى على ضرورة وضوح الهدف بقوله: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.

2 – مشروعية الهدف، وذلك من خلال نوعية هذا الهدف أو الغاية التي يطمح الإنسان الوصول إليها، من النواحي الشرعية والإنسانية، بمعنى أن هذا الهدف يجب أن يكون من الأمور المباحة في شرع الله تعالى، بحيث يعود بالمنفعة على الإنسان نفسه وعلى مجتمعه وأمته، لأنه إذا خرج عن هذا الإطار سيتحول إلى غاية فاسدة، وسينقلب عكسًا على واقع الناس، ويجلب إليهم المفاسد والأضرار من جميع الأطراف.

3 - ترتيب الأهداف حسب الأولوية، وذلك بوضع الأهم منها في القائمة ثم الأقل أهمية، ثم الأقل وهكذا، مع وضع الزمن اللازم لكل منها حسب أهميته، وعدم الإفراط بالزمن الكثير من أجل هدف غير مهم، فالترتيب شيء مهم في التخطيط لرحلة النجاح، لأن فقدانه وتأخير الأهم عن غيره يحدث فوضى في هذا التخطيط ويؤخر من تحقيق النجاح وإنجاز العمل في الوقت المناسب.

فمثلاً حين يضع الإنسان أمامه ثلاثة أهداف (عبادية، وأسرية، ومالية)، فإنه في هذه الحال ينظر إلى الأهم ويبدأ به وهو العبادة، لأنها مقدمة على الأسرة وعلى المال، ومن ثم يأتي واجبه نحو الأسرة لأنها مقدمة على شأنه المالي، وأخيرًا ينظر إلى الجانب المالي، لأن أقل أهمية من العبادة ومن الأسرة، وهكذا يكون الترتيب حسب الألوية من أجل تحقيق الهدف المنشود، ولا يعني هذا التقديم أن يأخذ مرحلة زمنية وإنما يكون بخطوط متوازية تمشي جنبًا إلى جنب.

4 – تحديد البرنامج الذي سينتهجه الإنسان للوصول إلى هدفه، وذلك قبل البدء بتنفيذ خطته ورحلته إلى الهدف، وضرورة ملائمته للأحوال والمعالم التي سيمر بها في مشواره نحو هذا الهدف، وهذا يسهل عليه الطريق، أما إذا وضع برنامجًا قصير المدى، أو لم يكن مهيأ لاحتواء كافة الاحتمالات، فإن الوصول إلى الهدف سيكون صعبًا أو محالاً.

أمثلة من القرآن الكريم على ضرورة التخطيط للوصول إلى الهدف
 

وقد ضرب الله للإنسان أمثالاً كثيرة ليأخذ منها العبرة والدروس في حياته، فعلى سبيل المثال – كما سبقت الإشارة إليها – أنه تعالى أمر النحلة أن تتخذ من الجبال بيوتًا من الشجر ومن الكروم وغيرها، ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾. وهي أماكن مناسبة لتتغذى منها، ومن ثم لتضع عسلها فيها حتى لا يطالها ضرر، بخلاف لو كانت لها أمكنة في المدن وبين الناس وبعيدًا عن النبات والشجر، فإن النحل لا تستطيع أن تقدم شيئًا، بل إنها ربما تشرد وتهرب إلى أماكن أخرى.

وفي ذلك آية وعبرة للإنسان أن يضع النقاط ويرسم المعالم التي ربما يمر بها لتحقيق هدفه، ويضع لها البرنامج المناسب والوسائل الناجعة لتخطيها وتجاوزها.

5 – استخدام الوسائل المباحة وتجنب المحرمة منها، التي تؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود، بمعنى أن الغاية لا تبرر الوسيلة في أي حال من الأحوال، كالذي يسعى إلى تحقيق هدفه في الوصول إلى منصب أو جاه أو مال، ثم لا يبالي ما يقترفه في طريقه من جنايات ومظالم وكبائر، فإنه لو جلس في بيته ولم يتمكن من تحقيق هدفه خير له من هذه المعاصي والمظالم، وإن مثل هذا الرجل الذي يسلك هذا المنحى المنحرف في الحياة كمثل المفلس الذي تحدّث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين قال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».

وأي فشل وخيبة أكبر من عمل هذا الإنسان الذي يظن أنه يحسن صنعًا حين يرقى إلى غايته على حساب حقوق الآخرين ومظالمهم.

6 – تحديد الوسائل الممكنة لتحديد الهدف والمتفقة مع قدراته وملكاته، فلا تكن خيالية لا يستطيع الوصول إليها فتكون سببًا لإحباطه، ولا غير متفقة مع قدراته فتصعب عليه، ولا ضعيفة لا ترقى لمستوى تحقيق الهدف.

7 – تحديد الزمن اللازم لتحقيق الهدف وإنجاز العمل واستثماره بشكل دقيق، مع مراعاة الأوقات التي تضيع بين مرحلة وأخرى، بحيث لا يتجاوز الزمن عن الحد المسموح به، لأن الإفراط في عامل الزمن في مرحلة التخطيط ربما يعرضه للتعطيل والفشل.

وسائل تعين على تحقيق الهدف:

1 – الثقة بالله تعالى، وحسن الظن به جل وعلا، لتحقيق الهدف المنشود في الحياة، وهي من الأسباب المهمة في سبيل الوصول إلى هذه الغاية، لأن الله تعالى وعد عباده المخلصين الذين يحسنون الظن به بالنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني».

2 – كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه وطلب العون والقوة منه وحده سبحانه، فهو القائل جل شأنه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .

3 – الاستعاذة بالله من همزات الشياطين ومن نزغاتهم ولمزاتهم، والتقرب إلى الله تعالى بتقديم الطاعات والأعمال الصالحة للانتصار على هذه النزغات والتخلص منها.

4 - زرع الثقة في النفس، وأن الإنسان يمكن أن يحقق أي هدف أو يترجم أي تصور إلى واقع من خلال ما أنعم الله عليه من قدرات عقلية وبدنية، فإن الذين يصلون إلى أهدافهم لا يملكون طاقات إضافية غير التي خلقها الله فيهم، وكل إنسان يستطيع أن يحقق هدفه من خلال ثقته بالله تعالى، ومن ثم ثقته بنفسه والقدرات المودعة فيها.

5 – اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم  قدوة وأسوة في طريقه نحو الهدف، فإنه عليه الصلاة والسلام الذي بدأ بدعوته فردًا واحدًا ثم أفرادًا معدودين، وفي جو مليء بالأعداء الذين لم يألوا جهدًا أو وسيلة للنيل منه ومن دعوته، ولكن الله تعالى مكّن له ولصحابته حتى كثر عددهم، وأصبح لهم أتباع في المدينة والحبشة، إلى أن فتح الله تعالى على أيديهم مكة، وتوافدت إليهم القبائل مؤمنين، وامتدت رقعة الدولة الإسلامية بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لتشمل معظم أرجاء المعمورة، وبذلك تحقق الهدف الذي كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو إبلاغ هذا الدين إلى الناس كافة.

¡  ¡  ¡

وهنا أدعوك أخي القارئ لتتأمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم  في صياغة الهدف وتحقيقه:

-ابتدأ رسالته بتحديد هدف واضح: ﴿ قُمْ فَأَنْذِرْ ، ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ ، ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾، ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ .

-شمّر عن ساعد الجد، واستخدم الوسائل الممكنة، حتى بلغ رسالة ربه، وأشهد الناس على ذلك في حجة الوداع عندما خطب بهم قائلاً: «اللهم هل بلغت اللهم فاشهد».

فالهدف تبليغ الرسالة وقد وصل إليه عليه الصلاة والسلام بشهادة الصحابة رضوان الله عليهم.

فهل حددت هدفك أو أهدافك؟! لتنطلق في صناعة نفسك ومجدك الذي يريده الله تعالى لك؟

¡  ¡  ¡

 وبذلك يكون تحديد الهدف والسعي من أجل تحقيقه من العناصر والقواعد المهمة في تكوين المنهجية الصحيحة للإنسان ليسعد بها في الدنيا والآخرة.



بحث عن بحث