القاعدة الخامسة

قيمة حياتك في عملك الصالح

ومن أهم القواعد التي تصوغ الحياة صياغة صحيحة، ويحافظ بها المرء على بقائها وقوتها، هي تقديم الأعمال الصالحة بين يدي الله تعالى، لأنها تعدّ من القربات التي تنزل الرحمة والسكينة والنجاح على صاحبها، وهو ما ذكره الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ، فالعمل الصالح سبب لسعادة الإنسان ونجاحه وتفوقه في الحياة، كما هو سبب لنجاته وفوزه بالجنة والقرب من الله تعالى يوم القيامة.

¡  ¡  ¡

دائرة العمل الصالح
 

يؤيد هذه الحقيقة قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا     ﴾، ويمنح الله تعالى عباده المخلصين الذين يأتمرون بأوامره وينتهون عن نواهيه، بالقول والعمل، يمنحهم المكانة والتقدير والتأثير بين الناس، كما يسهل عليهم سبل النجاح والسعادة في الحياة، وهي ما عبّر عنها تبارك وتعالى بالدرجات العلى.

¡  ¡  ¡

ولا يمكن حصر العمل الصالح أو تحديده، فكل ما يقدمه المؤمن في الحياة من خير ومنفعة لنفسه وللآخرين يدخل في دائرة العمل الصالح، ما دام يبتغي به وجه الله تعالى، فالطبيب الذي يخلص في عيادته يكتب له عمل صالح، والمعلم الذي يؤدي رسالة التعليم بالوجه الصحيح يكتب له عمل صالح، والتاجر في متجره، والموظف في مكتبه، والمرأة وهي تربي أولادها، أو تقوم بخدمة زوجها، والطبيبة التي تطبب بنات جنسها، والمرشدة الاجتماعية التي تسهم في حل مشكلات الأخريات، وهكذا كل شرائح المجتمع وأطيافه إذا أخلصوا في أعمالهم  فإنها تكتب لهم عمل صالح.

بل إن مفهوم العمل الصالح يتجاوز معناه العلاقة بين البشر أنفسهم، ليشمل الإحسان إلى الحيوان والدواب، وهو ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام بقوله:  «أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة».

وقوله صلى الله عليه وسلم : «أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها».

¡  ¡  ¡

شمول العمل الصالح لصاحبه حتى بعد الممات
 

من أجل ذلك كان العمل الصالح من القواعد المهمة لبناء المنهجية الصحيحة في الحياة، لأن أثره فاعل في صاحبه، وينتقل إلى الآخرين حتى بعد وفاته، يقول عليه  الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

¡  ¡  ¡

وروده في القرآن الكريم
 

ولأهمية العمل الصالح وأثره على نفس الإنسان وسعادته، وعلى المجتمع من حوله، جاء ذكر العمل الصالح في آيات كثيرة في كتاب الله تعالى، والحث عليه، واقترانه في معظم المواطن بالإيمان بالله تعالى، إشارة إلى أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي إذا لم يرافقه العمل الذي يترجمه إلى واقع، ومن هذه الآيات:

قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...﴾.

وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

وقوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ  .

وغيرها من الآيات والنصوص.

¡  ¡  ¡

r   آثار العمل الصالح وفوائده:

وللعمل الصالح آثار عظيمة على صاحبه في الدنيا والآخرة، ويمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:

1 – العمل الصالح يدخل صاحبه جنة الله ويفوز بنعيمها ونعيم القرب من الله سبحانه وتعالى وحبّه ورحمته، فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «قال: قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».

وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾.

2 – العمل الصالح سبب لمغفرة الذنوب والخطايا، ونقاء صفحة صاحبه عند ربه تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ  ﴾.

3 – العمل الصالح يجبّ العمل السيئ ويمحه، بل ويبدله إلى حسنات، مصداقًا لقول الله عز ثناؤه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾.

4 – العمل الصالح سبب كبير من أسباب القوة والغلبة والنصر على الأعداء، والتمكين في الأرض، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ .

وقال عز وجل: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ  . وهذه إشارة إلى أن من أسباب العزة والقوة القول الطيب والعمل الصالح.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم».

5 – العمل الصالح سبب للرزق الواسع والعيش الرغيد، فالذي يتقي الله في تعامله مع الناس، في المجالات المختلفة فإن الله تعالى يبارك له في ماله وكسبه، ويفتح عليه أبواب الخير من كل الجهات، قال أبو ذر ا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يتلو هذه الآية: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ ثم قال: «يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم».

ويقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.

6 – العمل الصالح يبعد عن الإنسان شبح الخوف والحزن والقلق وجميع الأمراض النفسية ومعضلاتها، ويدخل في النفس السكينة والراحة، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ﴾.

7 – العمل الصالح سبب في حسن خاتمة صاحبه على الطاعة والعبادة لله تعالى، فلا يزيغه عن دين الله زيغ الشيطان ولا همزه، وإنما يثبته الله تعالى إلى آخر نفس من روحه، ليلقى ربه عز وجل بأحسن حاله وأعماله.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم  قوله: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته فسأله رجل من القوم ما استعمله؟ قال: يهديه الله عز وجل إلى العمل الصالح قبل موته ثم يقبضه على ذلك».

¡  ¡  ¡

تقسيم العمل الصالح بالنسبة لحكمه
 

وعليه فلا حياة للقلب بدون الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة – ولله الحمد – كثيرة، وهي تنقسم باعتبار حكمها إلى قسمين:

1 – أعمال مفروضة: يجب أن يقوم بها العبد في هذه الحياة، فإذا ترك منها عملاً انفتح له باب من الشقاء. وهذه الأعمال كالصلاة المفروضة، والزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وحج الفريضة، وسائر الواجبات الأخرى مثل: بر الوالدين، وصلة الأرحام، والتخلق بالصدق والأمانة، وحفظ الوعد والعهد، وغيرها.

2 – أعمال مستحبة وهذه دائرتها واسعة، وهي كثيرة، فينتقي العبد منها ما شاء وبالذات مما تميل نفسه إليه كنوافل الصلاة، أو الإنفاق، أو الصيام، أو البر والإحسان، ومساعدة الآخرين.

ولذا فمن قواعد الحياة:

أ – أن يحافظ العبد على الفرائض أيًا كانت، وبدون تساهل، ويأخذ نفسه فيها بالحزم، ويقودها بذلك حتى تسهل عليه.

ب – أن يجعل لنفسه نصيبًا وافرًا من النوافل، يلتزمه ولو كان قليلاً، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «أدومه وإن قل».

¡  ¡  ¡

بقدر ما تكون أعمالك الصالحة بقدر ما تكون أنت
 

فهذه الأعمال كالماء للجسد، ففيها طمأنينته وسعادته في الدنيا، ويجدها مضاعفة عند الله تعالى يوم يلقاه، فهي تضاعف إلى سبعين ضعف إلى أضعاف كثيرة، ولنقرأ الآية التي افتتحنا بها هذه القاعدة، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وعلى قدر طموحك ازدد من هذه الأعمال.



بحث عن بحث