القاعدة السادسة

لا تدع نقطة سوداء في صفحة حياتك

المعصية نقطة سوداء في حياة المسلم إذ هي نقيض الطاعة، فهي مخالفة شرع الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه، وهي تشمل كل قول أو فعل تترتب عليه مفسدة أو مظلمة، ويعرف ذلك بمخالفة الدليل الشرعي، فهي في كل الأحوال ظلمات بعضها فوق بعض، وتركها نور وضياء.

يقول الشاعر:

رأيت الذنوب تميت القلوب
وترك الذنوب حياة القلوب

  وقد يورث الذل إدمانها
وخير لنفسك عصيانها

¡  ¡  ¡

r   أنواع المعاصي:

وكما أن العمل الصالح يتعدد ويتفاوت، فالمعاصي كذلك تتباين وتتفاوت، ولكن يمكن تصنيف المعاصي بصورة عامة – سوى الشرك بالله - إلى نوعين، هما:

1 – الكبائر:

وهي كل فعل أو قول توعد الله عليه بعقوبته أو سخطه أو غضبه في الآخرة أو بحد شرعي في الدنيا، كما في قوله تعالى في قتل المؤمن من غير حق: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا .

وقوله في العقوبة المترتبة على الزنا والعمل على نشرها بين المؤمنين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .

وقوله تبارك وتعالى في التعامل بالربا ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ .

حاجة العبد العاصي بكبيرة إلى توبة مستقلة
 

وقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصنافًا من هذه الكبائر بقوله: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

وهذا النوع من المعاصي يحتاج إلى توبة نصوح وعدم العودة إلى هذا الفعل، وإرجاع الحقوق لأهلها إن كانت هناك حقوق للآخرين، وكذلك تحتاج أحيانًا إلى تطبيق الحدود عليها في الدنيا، كالسرقة، والزنا، وشرب الخمر وغيرها إذا ارتفعت إلى القاضي، ثم مآل صاحبها إلى الله تعالى يوم القيامة، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه.

2 – الصغائر:

وهي ما يتعرض له الإنسان خطأ أو نسيانًا لبعض الأفعال والأقوال، بحيث لا تترتب عليها عذاب ووعيد من الله تعالى، ويقع في هذا النوع من المعاصي كل البشر، عدا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

مكفّرات الصغائر

 

وتزول الصغائر بالأعمال الصالحة وسائر المكفرات، كالوضوء والصلاة والاستغفار وغيرها، يقول عليه  الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم». ولكن ينبغي على الإنسان أن يكون على حذر من الإصرار على هذه الذنوب واقترافها بصورة دائمة، لأنها بعد ذلك تتحول إلى كبائر ومعاصي عظيمة.

r   أثر المعصية على النفس:

للمعاصي آثار وخيمة على أصحابها وعلى الذين يعيشون بين ظهرانيها ولم يبادروا إلى تغييرها، وقد توعد الله تعالى المصرّين على المعاصي بابتلاءات في الدنيا وعذاب وعقاب يوم القيامة، وفيما يلي بعض هذه الآثار التي وردت في كتاب الله تعالى:

1 – المعصية سبب لسخط الله تعالى، وإدخال صاحبها النار، وإبعاده عن رضى الله تعالى وجنته ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ .

2 – المعصية تؤدي في معظم أحوالها إلى تدمير صاحبه ابتداء، ثم ينتشر هذا الدمار على المجتمع والأمة من حوله، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾.

3 – المعصية تجلب على أصحابها القلق والخوف، وتذهب الخير والبركة بين الناس، يقول تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ .

4 – المعصية وعدم التوبة منها، سبب في سوء خاتمة صاحبها، وحرمانه من الهداية، يقول تبارك وتعالى عن هذه الحقيقة في قصة فرعون: ﴿ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ .

5 – المعصية تحرم صاحبها من تحصيل العلوم والمعارف، وتنزع منه مقوماتها، يقول الإمام الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي
وأخبرني بأن العلـم نــور

  فأرشدني إلى ترك المعاصي
ونور الله لا يُهـدى لعاصي

وبالمقابل فإن التقوى والخشية من الله تعالى، والالتزام بشرع الله تعالى وأداء فرائضه سبب قوي من أسباب تحصيل العلم، لقوله تعالى:  ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

¡  ¡  ¡

6 - وأخيرًا فقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن مجموعة من المعاصي التي إذا تفشت في قوم ابتلاهم الله تعالى بعقوبة في الدنيا قبل الآخرة:

عن عبدالله بن عمر م قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» .

¡  ¡  ¡

ترك المعاصي من أعظم دواعي دفع القلق
 

فتبين من هذا أن من أهم قواعد الحياة وعوامل السعادة، ودفع القلق والاكتئاب ترك المعاصي التي هي ظلمة للقلب، وسبب الشقاء والأمراض النفسية، وهي باب يلج منه كل شر.

خذ مثلاً: شرب الخمر، فمن شرب الخمر سكر، ومن سكر ضاع عقله، فتاه في الدروب المظلمة، فقد يقتل أو يجرح غيره، بل قد يفعل ذلك بنفسه، وقد يهلك ماله، ويطلق زوجته، ويعتدي على غيره، وهذه وغيرها مداخل لظلمات أخرى.

والشيطان - وهو العدو اللدود للإنسان - من أول أولوياته أن يفتح بابًا على الإنسان بأي معصية حتى يلج إلى أخرى، وبلا شك أن كل معصية تمثل نقطة سوداء، فإن لم يزلها بالتوبة والإنابة كبرت مع الاستمرار حتى تطغى على قلب الإنسان فلا يبصر دربه، ويصبح وعليه غشاوة مظلمة فلا يرى الأشياء بعين الحقيقة، فتنقلب الأمور عنده حتى يصبح الأبيض أسودًا، والأسود أبيض، فتتلبس عليه حياته.

أرأيت أخي طالب الخير والسعادة كيف تفعل المعصية؟ فاجتنبها.



بحث عن بحث