القاعدة السابعة

كن واقعيًا ودَع عنك التعلق بالأماني

يقول عليه الصلاة والسلام: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله».

وهذا يعني أن من أهم معالم المنهج الصحيح في الحياة: عدم التعلق بالآمال والأمنيات من غير سعي أو حركة، بل إن الإنسان الناجح يعمل في حاضره لينال ثمرات ذلك في مستقبله، والثمرة تأتي – في الغالب - على قدر ما بُذل من جهد وتعب في الماضي، لأن النظر الدائم فيما يكنه المستقبل ووضع الآمال العظيمة فيه، يُبعد الإنسان عن الواقعية ويدخله في دوامة الخيال والأوهام، ويجعل الإنسان يعيش حالة من الهم والقلق في حاضره، وفي مستقبله إذا لم يصل إلى تلك الأماني.

¡  ¡  ¡

النظرة الواقعية والعمل بها من عوامل الحياة السعيدة
 

ومن أجل أن يحيا الإنسان حياة سعيدة، ويسلم من الهمّ والحزن الذي يقود إلى إعطاب حركته، يجب أن يكون واقعيًا، ويعمل لحاضره بجد واجتهاد، ومن ثم يتولى الله تعالى أمره في المستقبل، وهذا التصور هو المحرك الأساس لجلب السعادة للإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».

مثال على الواقعية
 

ويمكن أن نضرب مثلاً على الواقعية وعدم التعلق بالأماني:

- في الدراسة: يدرس الطالب دروسه كل درس بيومه بجد ونشاط، دون أن يأخذ التفكير وقته في الاختبارات والخوف منها وكيف ستكون، لأن الأداء الصحيح في كل يوم سوف يذلل ويسهل الاختبارات التي تنتظره.

- وكذلك: مثل البائع ينشغل ببيع يومه ويترك الخيال في المستقبل وما يخفيه له من ربح أو خسارة.

فلينظر الإنسان إلى حاضره ويتحرك فيه بواقعية أولى له من أن يرهق الذهن والقلب بما سيكون عليه في المستقبل، وقد صدق الشاعر حين قال:

سهرت أعين ونامت عيون
فادرأ الهمّ ما استطعت عن
إن ربًّا كفاك بالأمس ما كان

  في أمور تكون أو لا تكون
النفس فحملانك الهموم جنون
سيكفيك في غدٍ ما سيكون

- وقل مثل ذلك للموظف، والمرأة في عملها في البيت، والمسؤول، وكذا المريض حال تداويه... إلخ.

¡  ¡  ¡

من الواقعية التخطيط للمستقبل
 

وهذا لا يعني عدم التخطيط للمستقبل، بل إن الإنسان مطلوب منه أن يخطط لمستقبله ولكن حين يتحرك في حاضره في ضوء الإمكانات المتوافرة لديه، ولكن المحذور هو الانشغال بهذا المستقبل والخوف منه وماذا سيكون وماذا سيصنع وهكذا؟

دليل الواقعيـة
 

وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم  أمته للواقعية التي ينبغي أن تعيش فيها وتسخّر ما لديها من قوة وطاقة ضمن هذه الواقعية لتصنع الحياة السعيدة لأبنائها، حين قال عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان»، وهذا الحديث يجمع بين أمرين مهمين:

أولهما: الحرص على الأمور النافعة في كل الأحوال مع الاستعانة بالله تعالى وعدم الاستسلام للعجز والكسل.

ويدخل في هذه الدائرة كل الأعمال الصالحة من أداء العبادات والفرائض، ونشر الدعوة بين الناس، وتقديم المساعدة والمعونة للمحتاجين وقضاء حوائجهم وغير ذلك، بجد وإخلاص لدفع الكسل والعجز والأسباب المؤدية إليه، كالاستسلام لوساوس الشياطين أو الاستماع إلى كلام المثبطين والعاجزين.

ثانيهما: الإيمان بالقضاء والقدر، وعدم التحسر والتضجر على ما وقع من قضاء الله تعالى وقدره.

من الواقعية عدم التحسر على الماضي
 

لأن التحسر على الماضي والتفكر فيه يوقف الإنسان عن العمل ويمنعه من التقدم إلى الأمام، ويجعله أسير هذا الماضي وما اقترفت يداه فيه، ولعل من إحدى حِكم التوبة والإنابة إلى الله تعالى هو أن يتحرر الإنسان من الهم والقلق الذي يلاحق الإنسان جرّاء ما كان منه في الماضي، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ .

وهذه الآية تحث المؤمنين على نسيان الماضي والتحرك في الحاضر نحو المستقبل، وذلك بالتوبة الصادقة لله تعالى والعمل بإخلاص واستقامة في الحياة وفق منهجه جل ثناؤه.

ويقول تبارك وتعالى في آيات أخرى، كقوله: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ      ، وقوله جل وعلا:  ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ .

حيث يربط الله تعالى بين التوبة والاستغفار عن الماضي وما كان وبين ما ستؤول إليه الحال إذا صدّق الإنسان في ذلك، حيث رتّب على التوبة النعم المتوالية التي لا تعد ولا تحصى، والخير والبركة التي تنزل من السماء وتخرج من الأرض، وكذلك تمنح الأمة القوة والتمكين في الأرض لإرساء أسس الحق والمساواة فيها، ومواجهة التحديات المختلفة التي تعترض مسيرة المؤمنين في الحياة.

¡  ¡  ¡

وبهذا يتضح أن التعلق بالأماني سراب يخدع بها المرء نفسه فيتيه معه، ويضل، ويحمل نفسه ما لا تتحمل. فمن أهم قواعد الحياة أن تتعلق بالعمل من خلال واقعك دون أمانيك، مع التخطيط لمستقبلك الدنيوي والأخروي.



بحث عن بحث