القاعدة الثامنة

الحذر من الفراغ

أقسام الله تعالى بأجزاء من الزمن
 

الحفاظ على الوقت واستثماره بالمفيد وعدم ضياعه في سفاسف الأمور المهمة لوضع منهجية ناجحة في الحياة وتحقيق السعادة للإنسان، فالذي يريد أن يبلغ العلا ويحقق طموحاته لا بد أن يحافظ على الوقت الذي لا يتوقف ولا ينتظر أحدًا، بل إنه كما قيل: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولأهمية الزمن ودوره في حركة الحياة، أقسم الله تعالى به في سورة العصر: ﴿ وَالْعَصْرِإِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  ﴾.

كما أقسم جل ثناؤه بالشمس والقمر اللذان هما عاملان أساسيان في تكوين الزمن وانتظامه فقال: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَاوَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾.

ثم إن الزمن إنما خُلق لتنظيم حياة الإنسان بين الليل والنهار وبين العمل والراحة، وبين النوم واليقظة، ليحدد بعدها الإنسان زمنه وفق برامجه الخاصة نحو النجاح والتفوق في الحياة، يقول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾.

r   عوامل مساعدة لتحقيق المحافظة على الوقت:

وأما كيفية الاستفادة من الزمن، فيكون من خلال بعض التوجيهات العامة، وأهمها:

1 – استثمار الوقت للعمل في وضع الآليات المناسبة لتكوين المنهج الصحيح في الحياة والسير عليه بخطى ثابتة، وعدم ضياعه في الأدوات التي تعيق ذلك وتدخل صاحبه في الفوضى والتشتت.

2 – عدم إهدار الوقت في صغائر الأمور، فالزمن ليس ملكًا للإنسان وهو محاسب عليه في الخير والشر، يقول عليه الصلاة والسلام: «لاتزول قدماعبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله منأين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».

وصدق الشاعر حين قال:

دقات قلب المرء قائلة له          إن الحياة دقائق وثوان

3 – إنجاز أكبر عمل في أقل زمن ممكن، وذلك بالعمل الجاد والمستمر، والتركيز على الجوانب المهمة في الحياة، والغض عن الصغائر التي لا تنفع ولا تضر.

4 – وضوح أهداف الإنسان لنفسه، فماذا يريد أن يحقق في هذه الحياة؟ وماذا يريد الوصول إليه؟ فمن الخير لصانع مجد حياته أن تتضح له أهدافه وفق قاعدة: جدّد أهدافك.

5 – وضوح الآليات والبرامج التي يستعملها الإنسان في حياته وكل بحسبه وحسب وضعه.

6 – محاولة تقسيم هذه الأعمال والبرامج على الوقت اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي.

7 – التوكل على الله، والدعاء بالتوفيق.

¡  ¡  ¡

ضياع الوقت من صناعة الفشل
 

وأما الذين يصنعون الفشل في الحياة، فهم أولئك القوم الذين يجحدون نعمة الوقت، ويقتلونها بالأهواء والشهوات، والسهر غير المفيد كالسهر على الفضائيات لساعات طويلة، والدخول إلى الشبكات الالكترونية ليتجرعوا سمومها ويلعقوا خبائثها، ثم يخرجون في نهاية المطاف مفلسين خاسرين، ويصبحوا حيارى تائهين في الدروب المظلمة، دون دليل أو نهج أو برنامج واضح في الحياة.

وهذا داء خطير، يهدد الفرد، ومن ثمّ الأمة من داخلها، ويشتت طاقاتها، ويبدد ثرواتها، فينبغي التنبه له، ومعالجته بالوسائل المختلفة، من إعداد البرامج الحية والفاعلة التي تتناول عمق المعاناة، من غير مدارات ولا مجاملات، حتى يسهل الطريق ويتحقق النجاح.

¡  ¡  ¡

كما أن عامل الزمن يؤدي دورًا كبيرًا في المنظومة الكلية للمجتمع، فأي إفراط في الزمن يعني حدوث خلل في النظام العام، لأن المجتمع إنما يتقدم أو يتأخر بمدى صلاح أبنائه وفسادهم، وبالتالي فإن الشعوب التي تقدّر الوقت وتحافظ عليه وتسخره في الأمور المهمة تتقدم وتنجح في قيادة العالم وريادته، وأما الشعوب التي تركن إلى الكسل وقتل الوقت في سفاسف الأمور فإنها تبقى في المؤخرة وتفقد زمام الريادة على نفسها وعلى غيرها.



بحث عن بحث