القاعدة التاسعة

عش بين الصبر والشكر، واقلب الضراء سراء، واجعل حياتك إيجابية

الصبر: حبس النفس عن الجزع.

الصبر والشكر من زاد رحلة الحياة
 

والشكر: اعتقاد نعمة المنعم وإظهار هذا الاعتقاد على اللسان والجوارح.

¡  ¡  ¡

وكلاهما زاد للإنسان في رحلة الحياة وتخطي صعابها، حيث إن كلا هذين الخُلقين يكمل أحدهما الآخر، فالصبر يكون على الضرّاء الذي يصيب الإنسان، والشكر يكون على السرّاء الذي يتنعم في ظلاله، وهما من أهم قواعد النجاح والبناء في الحياة، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم  أن هذين الخُلقين لا يتوافران إلا للمؤمنين الصادقين، فقال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».

وقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تحث على التحلي بهذين الخُلقين في مسيرة الحياة، لأنهما من أسباب استقرار نفس الإنسان واتزانها، بل إنهما الحصن المنيع الذي يدفع عن النفس القلق والتشاؤم واليأس، وبالتالي فهما ضابطان محكّمان لسلوك الإنسان وحركته في الحياة.

¡  ¡  ¡

أمران متلازمان
 

والصبر والشكر أمران متلازمان يكمل أحدهما الآخر، لأن الإنسان معرّض للسراء والضراء، فكان لزامًا التحلي بهذين الخُلقين، فقد ورد عن عمر ابن الخطاب ا قوله: «لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت».

مما ورد في الصبر والشكر من النصوص
 

ومن أجل ذلك فإن الشرع قد حثّ على هذين الخُلقين في كثير من نصوصه سواء من الكتاب أو السنة أو المأثور، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وقوله تبارك وتعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.

ويقول صلى الله عليه وسلم  في الحديث القدسي: «يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة».

وأما في الشكر فمثل قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾، وقوله: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ .

وعن معاذ بن جبل ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

r   والصبر يكون في مجالات ثلاثة:

أولاً: الصبر على الطاعة:

لا شك أن في الطاعات والعبادات راحة نفسية يلمسها صاحبها مباشرة أو بعد حين، إلا أن هذه الطاعات ربما تمرّ بظروف وأحوال تكون في أدائها شدة وتعب ومشقة أحيانًا:

- فالوضوء للصلاة ومن ثم أداء هذه الصلاة من العبادات المفروضة على المسلم، وفي ذلك نظافة وتنظيم وراحة نفسية وجسدية، ولكن في حالات الخوف والبرد والمرض وغيرها، يكون في أدائها نوع من المشقة والتعب، لا سيما وأن لها مواقيت محددة لا يمكن أداؤها إلا أثناءها، وهذا يتطلب من المسلم الصبر والتحمل على مثل هذه العبادات.

يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ .

وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذه الصعوبة في بعض الأحيان كما في قوله: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط». وقوله: «بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».

- وكذلك، دفع الزكاة، وهي إخراج حق الفقراء والمساكين والمحتاجين من المال، حيث يكون ذلك ثقيلاً على بعض النفوس، فيحتاج الإنسان إلى الصبر واحتساب ذلك عند الله تعالى.

- أيضًا الحج، فإنه من الفرائض التي يترتب عليها بذل المال والطاقة والجهد، ويحتاج إلى الصبر والمصابرة لإكمال هذا النسك، ليثبت الأجر والمثوبة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم  جهادًا، لحديث عائشة ك قالت: قلت يا رسول الله! على النساء جهاد؟، قال: «نعم. عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة». وذلك لما فيه من بذل الجهد والمشقة.

- وأيضًا، صوم شهر رمضان، وترك الطعام والشراب والشهوات، استجابة لله تعالى، وهو من العبادات التي تحتاج إلى الصبر والمصابرة، ومن أجل ذلك توعد الله تعالى الصائمين بأجر عظيم، لقوله صلى الله عليه وسلم  في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».

¡  ¡  ¡

وهكذا في غالب العبادات والفرائض الأخرى، كالجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله تعالى، وطلب العلم، وقضاء حوائج الناس وبرّ الوالدين، والتعامل بالحسنى، وملاطفة الناس والصبر على أذاهم، وتحمل الجيران، والزملاء في العمل، كل ذلك يتطلب الصبر والتحمل، لأن الانفعال والملل والضجر، لا يؤدي إلا إلى الفشل والإحباط، وبالتالي تؤدي إلى سخط الله وغضبه وعقابه.

القدوة في ذلك:

وقدوة المؤمنين في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يتعبد ويقوم الليل ويصلي حتى تتورم قدماه، فيصبر ويقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا». والصبر على الطاعة أفضل أنواع الصبر.

ثانيًا: الصبر عن المعاصي:

وكما أن الصبر على الطاعة مطلوب، فإن الصبر عن اقتراف المعاصي مطلوب أيضًا، لأن هذا النوع من الصبر عبارة عن ضبط ومقاومة لأهواء النفس ورغباتها الجامحة في إطار شرعي متوازن، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى هذه الحقيقة بقوله: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».

مثال على هذا النوع من الصبر:

- نبي الله تعالى يوسف عليه السلام ابتلي بطلب الوقوع  في معصية كبيرة، حين دعته امرأة العزيز لنفسها بعد أن هيأت لذلك كل شيء، وهو عليه الصلاة والسلام في ريعان شبابه، فرفض هذا العرض وصبر عن الوقوع في الفاحشة، ودفع ثمن ذلك بقبوله المكوث في السجن لبضع سنين.

لكن النتيجة النهائية أن جعله الله تعالى ملكًا على خزائن مصر.

- كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعرض لأكبر إغراء في التاريخ، حين عرضت عليه قريش المال والنساء والجاه والزعامة، ليتخلى عن دعوته، فرفض هذا العرض وصبر على إيذائهم في التعذيب والحصار والهجرة والقتل وغيرها.

وكانت النتيجة: أظهر الله تعالى دينه ودعوته ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ودانت لهذا الدين مشارق الأرض ومغاربها، مع الراحة والطمأنينة النفسية والأمن القلبي.

ثالثًا: الصبر على أقدار الله المؤلمة:

أقدار الله تعالى في هذا الكون متنوعة ومنها: أقدار مؤلمة ومفجعة يُبتلى بها بعض الناس، فلا بد من الصبر عليها، ومن أمثلة ذلك:

1 - مصيبة الموت:

لقد سمّى الله تعالى في كتابه المبين الموتَ بالمصيبة، فقال: ﴿، والموت من المصائب الشديدة الوطأة على نفس الإنسان، لأنه فراق طويل بين الأحبة والأقرباء والخلان، وهو بحاجة إلى صبر وثبات في البداية لتخطي التبعات التي قد تصيب بعض النفوس، من حيث الحزن الدائم، والهمّ المتواصل، والعيش مع الماضي والذكريات، وغير ذلك مما له أثر على حدوث اضطراب وزعزعة نفسية عند صاحبه، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم  وسمّاه الصدمة الأولى.

عن أنس بن مالك ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: «اتقي الله واصبري» فقالت: وما تبالي بمصيبتي! فلما ذهب، قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذها مثل الموت. فأتت بابه، فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند أول صدمة» أو قال: «عند أول الصدمة».

أما النتيجة:

عن أبي هريرة ا، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : «يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة».

2 - المرض

والمرض من أقدار الله التي تحل بعباده، ما بين خفيف الوطأة وشديدها، وهو في جميع الأحوال ابتلاء يحتاج إلى صبر واحتساب، ولعل في هذا المرض فضلاً وتكريمًا من الله لصاحبه، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط».

3 - أذى الناس:

إن التعرض لإيذاء الناس ومشكلاتهم ونزاعاتهم سواء كان هذا الإيذاء حسيًا أو معنويًا بالتعدي أو بالاستهزاء والسخرية والغيبة والنميمة وغيرها، فإنه يحتاج إلى صبر وتحمل، كما يحتاج إلى العفو والصفح في كثير من الأحيان، فهذا النوع من الابتلاء رافق رسلَ الله تعالى وأنبياءه والصالحين من عباده، فصبروا عليه وتغلبوا عليه، ورفع الله بذلك شأنهم في الدنيا والآخرة.

والتعرض لأذى الناس ناجم من التفاعل والاندماج معهم الذي يفرضه الواقع الاجتماعي في أي مكان، ولا يسلم من ذلك إلا المنعزلون والأنانيون الذين يترفعون عن واقع الناس ويبتعدون عن مشكلاتهم وحاجاتهم، وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أفضلية الذين يختلطون مع الناس ويصبرون على أذاهم بقوله: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».

¡  ¡  ¡

والشكر كذلك أنواع:

1 - شكر القلب:

هو الشعور الدائم للمنعَم عليه بفضل الله وكرمه ومنّه بما أنعم عليه من النعم الظاهرة والباطنة، وترجمة هذا الشعور إلى حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ  ﴾.

واعمار القلب بهذا الحب وهذا الود من شأنه أن يؤثر على الجوارح فيجعلها تتحرك وفق منهج الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

2 - شكر اللسان:

وهو الثناء على الله المنعِم بالكلام وعبارات الشكر المتعددة، والتحدث بأنعم الله تعالى وأفضاله التي لا تعد ولا تحصى، وهذا الركن عبارة عن الوسيلة التي ينقل الإنسان من خلالها شكر الله من القلب إلى الجوارح، ويعدّ شكر النعمة باللسان نوع من الذكر لله تعالى وقد أمر الله تعالى بهذا النوع من الشكر كما في قوله: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾.

يقول عليه الصلاة والسلام: «من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليله».

ويدخل في هذا النوع من الشكر كل ذكر لله تعالى من قراءة للقرآن أو تسبيح أو تهليل أو استغفار، ما دام اللسان رطبًا بذكر الله تعالى.

3 - شكر سائر الجوارح:

وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها، فهو من أعظم أنواع الشكر وأصدقها، ذلك أن ما ينبض به القلب من الحمد والشكر وكذلك ما يردده اللسان يترجم إلى واقع عملي، يتجسد في أداء الفرائض والعبادات أداء صحيحًا، وكذلك القيام بأعمال الخير المختلفة من نشر الدعوة وإرشاد الناس وقضاء حوائجهم وغيرها من وجوه الخير الكثيرة.

r   ثمرات الصبر والشكر:

للصبر والشكر ثمرات وفوائد كثيرة على النفس وعلى المجتمع في الدنيا والآخرة، ويمكن الإشارة إلى بعضها:

أولاً: ثمرات الصبر:

1 - إذا أحلّت بالعبد شدة وضائقة وتلقاها بالصبر وعدم الجزع توجهت نفسه إلى ربها ملتجئة إليه لائذة به وعائذة، تطلب منه العون والمدد فيزداد قربًا من الله عزّ وجل. فينال راحة نفسية وثباتًا مع الرضى بما أصابه.

2 – رفعة الدرجات وتكفير السيئات: يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ والأجر في الدنيا والآخرة.

ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها».

3 – إن من أهم ثمرات الصبر وفوائده في الحياة الدنيا تحقيق النصر على الأعداء، لقوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ  .

ويقول أيضًا: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب».

من الانتصارِ الانتصارُ على الشيطان ووساوسه
 

ومن الانتصار: الانتصار على وساوس الشيطان بالصبر فلا يتطور بلاؤه ولا يزداد، فيفتح بهذا الصبر آفاقًا رحبة في نفسه يرى المستقبل أبيض شفافًا بحسن ثقته بالله تعالى ودحره للشيطان.

وهذا الانتصار من أعظم الانتصارات في هذه الحياة فلا ينهزم المسلم لمرض، أو فقر، أو موت قريب أو حبيب، ونحو ذلك وسيرى النتيجة الحسنة والعاقبة الطيبة في الدنيا والآخرة، ويتبع هذا الانتصار السير في الحياة بخطى ثابتة نحو البناء والتنمية، والطاعات والقربات بدون عثرات أو عقبات.

4 – إن الصبر على الابتلاء يكشف حقيقة النفوس الصادقة من الكاذبة، يقول الله تعالى: ﴿ المأَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ    وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  ﴾.

ويقول عليه الصلاة والسلام: «ومن يصبر يُصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر».

ثانيًا: ثمرات الشكر:

1 – أن العبد الشاكر ينال قبل كل شيء رضوان الله تعالى وأجره العظيم يوم القيامة، لقوله تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ. وهذا غاية ما يتمنى العبد في سعيه في هذه الحياة.

2 - الشعور بالرضى والقرب من الله عز وجل، حيث يحس العبد الشاكر أن الله عز وجل خصّه بكرمه فيقبل عليه بالتوبة والاستغفار والثناء عليه سبحانه بما هو أهله، وينال راحة نفسية عظيمة.

3 – شكر الله تعالى شرط لدوام نعمه وآلائه على عباده، لقوله تعالى: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.

4 - إن شكر النعمة، يؤدي إلى الطمأنينة والراحة النفسية الدائمة للشاكر، لأنه لم يجعل المال في قلبه وإنما جعله في يده، ولم يفاخر به على الآخرين وينسبه إلى نفسه، وإنما يرجعه في الأصل إلى الله تعالى.

5 - إن الاستقرار النفسي الذي ينتج عن شكر نعم الله يؤدي إلى الاستقرار والأمن في المجتمع، وهو أمر مهم للحفاظ على تماسك الناس فيما بينهم، وكذا الحفاظ على راحتهم النفسية، وعلى العكس من ذلك فإن أي اضطراب في النفس أو غضب سينقلب سلبًا على الناس وعلى المجتمع، لذا كان الشكر أمرًا مطلوبًا لتفادي هذا الخطر على النفس قبل البشر.

¡  ¡  ¡

الصبر والشكر من أهم قواعد بناء الحياة السوية
 

وبهذا فإن التزود بخُلقي الصبر والشكر من أهم القواعد التي تساهم في بناء المنهج الصحيح للإنسان في حياته الدنيا، لأنه من الخصال التي تحافظ على توازن الإنسان واستقراره وسلامته.

وبهذا التعامل مع النفس تنقلب الضراء والمصائب إلى سراء، والمحن منحًا، وتكون الحياة كلها إيجابية، فهل جرّبت؟

وأضرب لك مثالاً على ذلك:

المرض لا شك أنه مصيبة في الظاهر، ومحنة كما سبق، ولكن قد تنقلب إلى منحة عندما يتعامل معها المريض تعاملاً إيجابيًا فيستغل المرض بعبوديته فيكثر من ذكر الله تعالى، ومن الصبر، والتعلق بالله عز وجل، وكثرة التأمل في نعم الله عليه، وتقوية التوكل على الله، واستشعار تكفير السيئات، ورفعة الدرجات، أرأيت كيف تكون هذه المحنة منحة؟!

¡  ¡  ¡

أعرف شخصين مرضا مرضًا واحدًا، وهو مرض يغلب على صاحبه الهلاك، أخبرا في وقت واحد، فتقبل الأول الخبر واسترجع وحوقل، فانفتحت شهيته، وظهرت ابتسامته واستمتع بما بقي له من حياة، والأخر اشتد كربه، واكفهر وجهه فتعب تعبًا شديدًا جسديًا ونفسيًا.

ما الفرق بينهما؟ أترك الحكم لك أخي القارئ الكريم لتختار ما يناسبك. ولكني أؤكد عليك استثمار حياتك إيجابيًا بما ذكر من الصبر والشكر.



بحث عن بحث