القاعدة الثامنة عشرة

أحسن إلى غيرك

الإحسان إلى الناس مبدأ عظيم وقاعدة مهمة في دين الله تعالى، لحياة إيجابية سعيدة ولبناء العلاقات الحسنة بين البشر، وتكوين المجتمع المتماسك والمتعاون، وفقدان هذا العنصر في أي مجتمع يعرضه فريسة للأنانية المفرطة والذاتية المقيتة، كما أن فقدانه من أسباب انهيار المجتمعات وتخلفها عن ركب الحضارة والتقدم.

¡  ¡  ¡

الإحسان بالقول والفعل
 
من صور الإحسان إلى الناس
 

والإحسان إلى الناس له صور كثيرة وأشكال متعددة، فمنها تنفيس الكرب عنهم، والتشفع لهم في الخير، وبذل المعروف، وقضاء حوائجهم، والدعاء لهم بالهداية، وهذا يعني تمني الخير لهم في جميع شؤونهم، وكل ذلك من دعائم السعادة وقواعدها في الحياة، يقول عليه الصلاة والسلام: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

والإحسان إلى الناس يكون بالقول والفعل، فلا يكتمل الإحسان بالقول دون العمل، أو يقدم عملاً ثم يتبعه بكلام غير حسن، وإنما يجب على المحسن إلى الناس أن يكون على مستوى كاف من الوعي لمشاعرهم حين يقدم لهم العون والمساعدة، بحيث يتجنب المنّة والتفضل عليهم، لأنه إنما دفعه إلى هذا العمل الخيّر إيمانه بالله تعالى وتطبيقه لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإخلاصه لهذا الدين، يقول تبارك وتعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ .

¡  ¡  ¡

القول الطيب من الإحسان
 

وإذا كان الإنسان غير قادر على تقديم المساعدة المادية والعملية للناس فيكفيه أن يقدم لهم الكلام الطيب والموعظة الحسنة، فربّما يكون لهذا الكلام أثر عليه أبلغ وأقوى من الناحية المادية، يقول تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ .

وهكذا فإن الإحسان إلى الناس سواء بالقول أو الفعل، يكسب قلوبهم ويشرحها للمحسن، ويطهرها من الحسد والضغينة، فالقلوب مجبولة على حب من يحسن إليها، وكما قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم            لطالـما استعبـد الإنسـان إحسـان

r   بعض آليات الإحسان إلى الناس:

وللإحسان إلى الناس ومدّ يد العون إليهم آليات وأدوات لا بد من مراعاتها أثناء هذه العملية الإنسانية، ومن هذه الآليات:

1 – إظهار المحسن حبه للناس بشكل حقيقي، وذلك من خلال التضحية ببعض وقته وبعض أمواله وراحته في سبيل تفريج كرب أو إزالة عسر عنهم، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

2 – عدم الاغترار بالشكل أو الهيئة، وعدم تصنيف الناس إلى طبقات اجتماعية، لتقديم جهة على أخرى، فهذه من خصال الجاهلية، وإنما المقياس في تقويم الناس يكون بمدى قربهم وبعدهم عن الله تعالى، ويقرب الأفضل منهم حسب المقياس الشرعي، فلا تفاضل ولا تمايز لعرق على آخر أو لطبقة على أخرى إلا بالتقوى، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .

ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

3 – التحلي بخُلق التواضع أثناء الإحسان إلى الآخرين، والابتعاد عن التكبر والاستعلاء عليهم، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا  .

وكذلك جاء في وصية لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾ .

4 – تجنب التمنن والتفضل على المحتاجين عند الإحسان إليهم، بأي كلام يجرح مشاعرهم، لأن المؤمن مأمور من الله تعالى بالإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم وتقديم المعونة إليهم، ولأن هذا المحسن ما أوتي من نعمة إنما هو فضل من الله تعالى، فالغنى والفقر من عنده، والصحة والمرض من عنده، والقوة والضعف من عنده، إن شاء الله قلّب المعادلة وأبدل يسرهم عسرًا وغناهم فقرًا، لذا كان لا بد حين يحسن المحسن أن يشكر الله تعالى ويحمده على فضله وكرمه بهذه النعم المغدقة عليه، وحتى لا يضيع الأجر أو تحل بهم العقوبة، يقول تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .

5 - عدم انتظار الشكر من الناس، وردّ الجميل منهم، لأن منطلق العمل في الأساس هو تلبية أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والجزاء الكبير والمثوبة العظيمة عند الله تعالى، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا   ﴾ .

¡  ¡  ¡

وهكذا فإن هذا الدين الذي أرسى قاعدة الإحسان إلى الناس، قد وضع حجر أساس لبناء النهج الصحيح في الحياة، ووضع لبنة مهمة من لبنات السعادة الحقيقية لهم، بل إن هذا الدين لم يقف عند هذا الحد من قضاء حوائج الناس ومدّ يد العون إليهم في الأزمات والعسرات، وإنما جعل الإحسان إلى جميع الكائنات والدواب الأخرى على هذه الأرض أمرًا أخلاقيًا ينبغي تطبيقه والالتزام به، والشاهد على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «أن امرأة بغيًا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها».

وبالمقابل فإن الله تعالى قد أدخل امرأة النار في هرّة حبستها فلا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.

¡  ¡  ¡

فإلى كل من يرجو لنفسه الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة، وإلى كل مهموم يريد تفريج همومه، ومريض يأمل شفاء مرضه، ومحتسب يؤمل الحصول على أجر عمله، على هؤلاء وغيرهم أن يحسنوا إلى غيرهم من الخلق في القول أو الفعل.



بحث عن بحث