القاعدة التاسعة عشرة

اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة

القدوة الحسنة في الحياة أمر مهم وضرورة لا بد من توافرها لكل طموح يسعى بجد في الحياة لتحقيق غايته والمشاركة في عمارة الأرض وإحقاق الحق فيها وإسعاد نفسه والناس من حوله، فالقلوب تتعلق دائمًا بأشخاص يمثلون العقيدة والقيم والأخلاق ويجسدونها واقعًا على الأرض، فيصبح هؤلاء الأشخاص منارات يهتدي بها الناس لتنير دروبهم في الحياة، وقدوة الأمة المؤمنة وأسوتها في الحياة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .

ويمكن أن تظهر هذه القدوة في مجالات كثيرة منها: أخلاقه في التعامل، وعلى الأخص:

1 – أخلاقه في بيته :

لقد وصفت أم المؤمنين عائشة ك خلق النبي صلى الله عليه وسلم  حين قالت: «كان خلقه القرآن»، فانبثق سائر أعماله عليه الصلاة والسلام من هذا الخلق العظيم الذي أشار إليه القرآن الكريم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وكان إظهار هذا الخلق واضحًا في بيته مع زوجاته وبناته، حيث كان يحدثهم بأطيب الكلمات وأرق التعابير، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويدخل السرور إلى قلوبهم، ويعدل بينهم، قالت عائشة ك: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  معه».

وتقول عنه أيضًا: «كان بشرًا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه». يفعل هذا وهو نبي الأمة وقائدها، يريد أن يعلم أمته من بعده أن الإنسان مهما علا شأنه واسمه يجب عليه أن لا يتكبر ولا يتجبر، بل يحافظ على تواضعه وحلمه.

2 – أخلاقه مع الناس :

حيث كان عليه الصلاة والسلام على درجة عالية من الخلق العظيم مع صحابته رضوان الله عليهم، فلم يكن يستعلى على أحد منهم، يقابلهم بالابتسامة الدائمة والرؤية الحسنة، ويكلمهم بهدوء وسكينة، ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ولم يفضّل عليه الصلاة والسلام أحدًا على آخر.

ثم إنه عليه الصلاة والسلام كان يشاورهم  في مواطن كثيرة، دون تمييز أو تفريق، عربًا كانوا أم عجمًا، فقد أخذ برأي سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، وجعل بلالاً المؤذن الأول في الإسلام وهو حبشي.

3 – أخلاقه مع الصغار:

تروي لنا السيرة النبوية نماذج من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم  مع الصغار والأطفال وعطفه وحنانه عليهم، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم ويمازحهم، وكان لا يغضب عليهم ولا يضربهم، حتى أحبه جميع الصبيان والأطفال، قالت عائشة ك: «كان النبي صلى الله عليه وسلم  يؤتي بالصبيان فيدعو لهم فأُتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله».

وكان عليه الصلاة والسلام يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: «يا زوينب..».

وإذا أصاب أحد هؤلاء الصغار مكروه، تجد الرسول عليه الصلاة والسلام يبكي عليهم ويحزن لمصابهم، فعن أسامة ا أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  أرسلت إليه: أن ابني قد احتُضر فاشهدنا، فأرسلَ يقرأ السلام ويقول: «إن لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده مسمى، فلتصبر وتحتسب»، فأرسلت إليه تُقسم عليه فقام وقُمنا معه فلما قعد رُفع إليه فأقعده في حجره ونفْسُ الصبي تقعقع ففاضتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».

وقد رآه مرة سعد بن عبادة اوعيناه تفيض دموعًا، فقال ا: «يا رسول الله، ما هذا؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».

4 – أخلاقه مع أعدائه :

لقد أدهشت العالمَ معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم  مع أعدائه وهو متمكّن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحم منه مع أعدائه رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والعذاب والتشريد، فعندما فتحت مكة، ودانت للدين الجديد القبائل والوفود، وصار جميع الأعداء الذين كانوا يحاربونه بالأمس ويحاربون دعوته تحت يده وتصرفه، نادى فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وعندما غادر إلى الطائف لعله يجد من ينصره هناك، استقبله بنو ثقيف بالطرد ولحقه صبيانهم بالحجارة والشتائم، حتى أدميت قدماه، جاءه ملك الجبال وقال له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة والسلام: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».

والخلاصة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة الأمة في كل شؤونها، فهو عليه الصلاة والسلام:

- قدوة في العبادات والطاعات، رغم أنه النبي المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل ويتعبد الله حتى تتورم قدماه.

- قدوة في الشجاعة والإقدام، فلم يولّ عليه الصلاة والسلام دبره لعدو، ولم ترهبه كثرة العدو وقوته، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان الملاذ لأصحابه حين تضيق بهم المعركة أو تشتد عليهم الحراب، وقد برز هذا الموقف جليًا في غزوة حنين حين ابتلي المؤمنون بالهزيمة في بدايتها، فوقف عليه الصلاة والسلام ثابتًا ونادى بأعلى صوته: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب، فالتف المؤمنون حوله وأعادوا الكرة على عدوهم ونصرهم الله تعالى بفضله.

- وهو عليه الصلاة والسلام قدوة في الكرم حيث يقول أنس بن مالك ا: لم يُسال رسول الله صلى الله عليه وسلم  شيئًا قط على الإسلام إلا أعطاه.

 - وهو عليه الصلاة والسلام قدوة في التواضع حيث كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويتحدث إلى الصغير والكبير، وكان قدوة في الحلم والعفو فقد عفى عن الذين آذوه وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم بقوله: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وغير هذه الصفات الخصائص كثيرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن المقام لا يسع لجميعها، فقد كان عليه الصلاة والسلام منهجًا عمليًا يسير على الأرض.

¡  ¡  ¡

واقتداء المؤمنين للرسول عليه الصلاة والسلام يكون في:

1 – محبته صلى الله عليه وسلم ، يقول تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

2 – اتباعه عليه الصلاة والسلام وطاعته، واجتناب ما نهى عنه، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

ولا يكون الحبّ ادعاء وكلامًا، أو احتفالاً بيوم أو بأسبوع وغير ذلك، وإنما يكون باتباع سنته وترك البدع والخرافات الدخلية عليها، وكما قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه     إن الحبيب للمحب مطيع

3 – دراسة سيرته وحفظ سنته من التبديل والتحريف، ونشرها بين الناس.

4 – الدفاع عنه ونصرته ونصرة سنته والذب عنها، بكل الطاقات والوسائل، قولاً وعملاً، في وسائل الإعلام المختلفة، وفي المنتديات والحوارات واللقاءات، وإنشاء مراكز خاصة ومدعمة من جهات رسمية للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

¡  ¡  ¡

فوجود القدوة الصادقة والصالحة أمر ضروري لوضع منهج صحيح في الحياة وإيجاد الحياة السعيدة فيها، ليقيس المسلم حياته عليها ويستأنس بها، ومن جعله الله تعالى قدوة لخلقه يجب أن يجعله المخلوق قدوة له ليسعد كما سعد عليه الصلاة والسلام.



بحث عن بحث