القاعدة العشرون

استثمر مواهبك ونم قدراتك

من نعم الله سبحانه وتعالى أن وهب كل إنسان مواهب، وجعل له قدرات، ومن السعادة والخير للإنسان أن يعمل على تنمية مواهبه واستغلال قدراته، لأنه حين يستخدم ما أوتي من مواهب وطاقات في الاتجاه الصحيح يحصل على نتائج إيجابية نافعة له ولأهله ومجتمعه وأمته، أما الذي يقتل هذه المواهب والقدرات بالكسل والاتكال على الآخرين وصرف طاقاته ومواهبه عكس التيار الصحيح فإنه يسهم في هدم الذات والمجتمع والأمة.

وكما قال الله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ .

الإنسان مسؤول عن قدراته ومواهبه
 

وبالتالي فإنه مسؤول عند الله تعالى عن تلك القدرات والمواهب، فإذا سخّرها في الطريق الصحيح فإن الله تعالى سيبارك له فيها ويمنحه ثمارها يانعة يافعة، وإن سخّرها في سبل الشر والفساد فإنه جل وعلا يذله ويخزيه في الدنيا قبل الآخرة، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا  .

¡  ¡  ¡

اختلاف الناس في مواهبهم وقدراتهم
 

والقدرات الممنوحة للناس مختلفة، فقد توجد بعض المواهب في أناس ولا تتوافر في آخرين، وقد يمنح الله تعالى أقوامًا بعض النعم ويحرمها أقوامًا آخرين، وهكذا، ومن أجل ذلك تتكون في المجتمعات شرائح مختلفة من الناس، كل يعمل حسب مواهبه وقدراته الممكنة، فهناك الطبيب والمهندس والمدرس والتاجر والمزارع والصانع وغيرهم، كل يعمل ضمن تخصصه ويجتهد فيه، وقلما تتداخل هذه التخصصات مع بعضها، لأنها موزعة وفق القدرات والملكات المكنونة عند هذه الأطياف من الناس، وفي ذلك حكمة من الله تعالى وابتلاء لعباده، يقول تبارك وتعالى: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا  ﴾، ويقول تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  ﴾ .

ومن هنا كان لا بد لكل فرد ينتمي إلى هذه الأمة أن يعرف حقيقة هذه النعم المكنونة في تكوينه البشري وأن ينميها في الاتجاه الصحيح، لأن ذلك يعدّ نوعًا من الشكر للخالق عز وجل.

أمثلة لتنمية المواهب
 

فإذا كان أحدهم طالبًا شرعيًا فليجتهد وليحرص على برنامجه العلمي ولا يتخلف عنه، ويستغل الإمكانات المتاحة له من التلقي على أيد المشايخ وحضور جلسات العلم وقراءة الكتب الشرعية ودراستها.

وإن كان مدرسًا فليكن متابعًا للعلوم التي يدّرسها ويتابع الجديد فيها ليعطي الطلاب أحدث المعلومات الخاصة بالمقررات التي يدّرسها.

وإن كان طبيبًا فليجتهد ويسعى لحضور المؤتمرات الطبية داخل البلاد وخارجها ويتابع المستجدات العلمية للعلاجات والعقاقير وغيرها، ويحاول أن يجتهد في تخصصه للوصول إلى الأسباب غير المعروفة لبعض الأمراض ووضع العلاج المناسب لها.

وإن كان صانعًا فليجتهد في صنعته وحرفته ويبدع فيها، ويطوّر من تقنياتها وآلياتها.

وهكذا كل حسب مهنته وحرفته، لا بد أن يجتهدوا فيها، لأن ذلك يعود بالنفع العام على المجتمع والأمة.

من ميزات التقدم للأمم استغلال المواهب
 

فلم تتقدم أمة في التاريخ القديم والحديث على أمة أخرى، لأنها تتمتع بمزايا أو خصائص لا توجد في غيرها، وإنما يرجع التقدم والتأخر على مدى استفادة هذه الأمم من القدرات والطاقات التي منحها الله لهم، فليس هناك عنصر بشري يفوق عنصرًا آخر بذكاء أو عقل، فكلهم من آدم وآدم من تراب، ولكن يظهر الفرق والفضل في تفعيل الإمكانات والمواهب عند هؤلاء البشر.

نماذج من التاريخ
 

وقد روى لنا التاريخ الإسلامي صورًا ونماذج لا تعد ولا تحصى من الذين أبدعوا في شتى العلوم والمعارف حين علموا قيمة القدرات والإمكانات لديهم وسخّروها في الاتجاهات الصحيحة، فلم يخلو جانب من جوانب الحياة ولا ميدان من ميادين العلوم إلا ظهر فيها أناس ضربوا أروع الأمثلة والنماذج في التخصصات.

فقد ظهر في جيل الصحابة – مثلاً - فقهاء وعلماء وقادة ومجتهدون وسياسيون، وعسكريون:

- فهذا أبو بكر ا كان نموذجًا حيًا للخلافة العادلة التي لا تأخذه فيها لومة لائم، فقد سخر كل طاقاته وإمكاناته وأوقاته لتثبيت أركان الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحفاظ على أمن الأمة وسلامتها، وقد تجلى ذلك في موقفين مهمين: الأول: حين قال للناس: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، والثاني: حين أعلن الحرب على مانعي الزكاة، وقال: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم  لقاتلهم عليه.

- وذاك عمر ا، يجتهد ويسعى ويسهر لإعطاء كل ذي حق حقه، ويرد للمظلوم حقوقه، ثم إنه أبدع في مجال السياسة حين أنشأ ديوانًا للجند وأوجد وسائل تنظيمية دقيقة لتوزيع الأموال والغنائم على المسلمين في شتى البقاع.

- وذاك ابن عباس وابن عمر وعائشة ن، كانوا ينابيع للعلم والفقه ينهل منها الصحابة من حولهم، ويرجعون إليهم إذا استشكل الأمر على أحدهم.

- وهذا خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والبراء بن مالك وغيرهم من الصحابة ن، أبدعوا في المجالات العسكرية والحروب والغزوات، من حيث التخطيط وإدارة المعركة، ومن حيث الشجاعة والإقدام على العدو.

- ومن بعد الصحابة من التابعين وتابعيهم ظهر أفواج من العلماء والمفكرين والمبدعين والقادة في المجالات المختلفة، أمثال سعيد بن المسيب وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والثوري والبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى وغيرهم كثير.

وهكذا فإن هذه الأمة لن تتوقف عن إخراج تلك النماذج ما دامت عرفت ربها وعرفت كيف تشكر نعمه عليها، وذلك بالسعي والعمل وتنمية القدرات والطاقات لديها.

¡  ¡  ¡

r   عوامل مساعدة لاكتشاف المواهب والقدرات:

قد يعرف الإنسان بعض مواهبه، فعليه أن يستغلها وينميها، وقد لا يعرفها ولذلك عليه أن يحاول اكتشافها، ومما يعين على ذلك:

1 – استشارة والديه عن أفعاله منذ الصغر، فهُم أقرب إلى الناس به، وبطرائق معيشته، وميوله.

2 – الاستنارة برأي معلميه وأساتذته.

3 – عليه أن يسأل نفسه عن نفسه، فقد يجد الإجابة كامنة لديه لكنه لم يثرها بالسؤال.

4 – دخول مراكز تدريب، أو أندية مهارات.

5 – عمل اختبارات له من قبل نفسه، أو غيره فسيجد مجال الإبداع الذي يستطيع أن يبدع فيه.

6 – إذا كان طالبًا عليه أن يدخل المناشط اللاصفية في المدرسة ومن ثم فسيجد نفسه يميل إلى المنشط الذي يناسبه.

7 – الدعاء لله سبحانه وتعالى بأن يمنحه القدرة على استغلال ما وهبه من طاقات وقدرات.

¡  ¡  ¡

ومن هنا فالمسلم الذي يريد الحياة الحقة، والحياة السعيدة المنتجة أن يستغل ما وهبه الله تعالى من القدرات والمواهب، وينميها بمختلف طرق التنمية عن طريق مراكز أو مدارس، أو ندوات ونحوها، مما هو ميسّر ولله الحمد، ومن الغبن الفاحش للمرء أن يضيع ما منحه الله تعالى فلا يستغل تلك المواهب والقدرات، أو يصرفها في مصارف غير مفيدة، فتعود عليه بالويل والثبور.



بحث عن بحث