القاعدة الثالثة والعشرون

تذكَّر الموت الإيجابي

إذا تأمل الإنسان في الموت فإنه أمام حقيقة كبيرة واضحة المعالم يعرفها الصغير والكبير والفقير والغني والصحيح والسقيم على مختلف أعراقهم وألوانهم ومذاهبهم، يقول تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ  .

والموت ينال كل نفس وكائن في هذا الكون، الإنس والجان والدواب وحتى الملائكة بما فيهم الذين يقبضون أرواح الناس، يقول تبارك وتعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

ويقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  ﴾ .

وكما قال الشاعر:

الـموت بـاب وكل الناس داخله      يا ليت شعري بعد الموت ما الدار

ولكن المشكلة تكمن في عدم التفاعل مع الموت بصورة حقيقية، بحيث يؤثر على واقع الإنسان وحركته وسلوكه في الحياة بشكل إيجابي، رغم أن    الله تعالى جعلها حقيقة واقعة أمام أنظارهم يرونها كل يوم تلاحق الناس هنا وهناك، وقد ذكر الله تعالى هذه الحقيقة في آية عظيمة من آياته المؤثرة: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴿83وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴿84وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴿85 فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴿86تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وقوله تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ .

والناس أمام هذه الحقيقة على ثلاثة أصناف:

أصناف الناس حول التعامل مع الموت
 

الأول: لا يبالي بالموت، ويرى فيه حركة طبيعية تجري على كل البشر، فهم لا يتأملون ولا يتفاعلون مع الموت، كما لا يتفاعلون مع قدوم الإنسان إلى الحياة، فكلاهما عندهم سيان، وهذا  الصنف لا يؤثر عليه الموت سلبًا ولا إيجابًا.

الموقف الصحيح من الموت
 

الثاني: يرى في الموت شبحًا يلاحقهم في كل مكان، فيعيشون في حالة خوف وهلع في حلهم وترحالهم، الأمر الذي يثبطهم عن العمل في الحياة بإيجابية، بل ربما  ينعكس هذا الشعور على سلوكهم في الحياة بشكل سلبي وصورة ضارة.

الثالث: وهو الصنف الذي يتفاعل مع الموت على أنه حقيقة واقعة، وسنة جعلها الله تعالى بين الناس، ليتعظوا بها ويأخذوا العبر والدروس منها، لتكون لهم دافعًا نحو العمل الصالح، ورادعًا عن العمل الفاسد والضار.

¡  ¡  ¡

والفريق الثالث هو الذي يحمل التصور الصحيح عن  الموت ويذكره دائمًا في جلّ أوقاته، لتستقيم أعماله وأخلاقه وسلوكياته، ويضع نفسه دائمًا تحت ضوء هذا الأمر الذي لا مناص منه، والذي انتهى إليه مصائر الملايين من البشر في الماضي ويجري بين الناس كل لحظة، إلى أن يرث الله ومن عليها.

فوائد الموقف الإيجابي من الموت
 

فالتفاعل الدائم مع الموت الذي يعتبر خاتمة للأعمال وبداية الحساب، يولد في الإنسان عزمًا وقوة نحو عمارة الكون وتحقيق العدالة والسعادة فيها، فهي من ضروريات المنهج الصحيح في الحياة، لأن الإنسان الذي يتمرد على هذه الحقيقة ولا يلقي لها بالاً، فإنه يتمرد في الوقت نفسه على القيم والأخلاق والمثل، فينطلق في الحياة بأنانية مفرطة، من أجل تحقيق رغباته وشهواته، وإن كان ذلك على حساب حقوق الآخرين وسعادتهم ومصالحهم. 

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم   كثيرًا على ذكر الموت لما له من أثر إيجابي على حياة الإنسان وسلوكه، يقول عليه الصلاة والسلام: «أكثروا ذكر هاذم اللذات».

كما إنه عليه الصلاة والسلام أمر بزيارة القبور لأنها تذكر الإنسان بالآخرة، فيقول: «فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت».

هذا وقد ورد في الأثر عن عمر ا أنه كان يقول: كفاك بالموت واعظًا يا عمر.

وبناء على ذلك، يجب أن يتذكر الإنسان الموت بشكل إيجابي، بحيث لا يخاف من هذه السنة التي تسير على كل البشر، ولا ينسى ما فيها من عبر وعظات، لأن الموت هي خاتمة أعماله في الدنيا، وبالتالي يعيش متوازنًا ومعتدلاً، بين أعماله الدينية والدنيوية، وهو امتثال لقوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  .

¡  ¡  ¡

ومن هنا فإن لذكر الموت أثرًا كبيرًا في اتخاذ المنهجية القويمة في الحياة، حين يتفاعل الإنسان معه باعتدال وإيجابية، أما إذا تفاعل معه بأي شكل آخر، فإنه ينقلب إلى عامل هدم وتعطيب لمسيرة النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.



بحث عن بحث