القاعدة السابعة والعشرون

نم قرير العين صافي الصدر

إن صفاء الصدر ونقاء النفس من أهم ما يعين الإنسان للسير في الطريق القويم نحو تحقيق السعادة الحقيقية، فالإنسان يستطيع أن يبني الحياة بصورة صحيحة، رغم تباين الآراء والتوجهات في المجتمع الواحد، عندما يحمل بين جنبيه قلبًا كبيرًا خاليًا من الأحقاد والضغائن.

وقد أرسى الإسلام مبدأ الصفاء من أجل تأليف قلوب المؤمنين وجمعها على كلمة سواء، يقول تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  ﴾ .

مثال على نقاء الصدر

 
النفس المريضة تخطئ الطريق
 

ولا يستطيع أحد أن يحقق السعادة لنفسه وللآخرين ما دام يحمل بين جنبيه نفسًا مريضة ومليئة بالحسد والحقد نحو الآخرين، لأن من أهم عوامل السعادة هو أن يصفى القلب ويتطهر من الشحناء، حتى يتمكن من سعادة ذاته وبالتالي سعادة الآخرين.

وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في طهارة النفس والقلب والإيثار والتضحية مع بعضهم البعض، ولعلّ أكبر مثال وأعظمه ما فعله الأنصار حين هاجر إليهم المؤمنون من مكة، فقسّموا أموالهم وأملاكهم بينهم مناصفة، بل إن كثيرًا منهم لم يبال أن يدفع إلى أخيه المهاجر معظم أمواله وأملاكه حتى نزل فيهم قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ  .

من وسائل تفعيل الصفاء
 

وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم  إلى وسيلة تسهم في صفاء القلب وتطهيره من الشحناء، وهي المبادرة بالسلام بالمصافحة بين الناس وكثرة التهادي بين المؤمنين، فقال: «تصافحوا يذهب الغلُّ وتهادوا تحابُّوا وتذهب الشحناء».

الحقد حاجز عن السعادة
 

وبالمقابل فإن حمل الأحقاد على الناس من أسباب تعلق أعمال الإنسان وتحقيق المغفرة له، يقول عليه الصلاة والسلام: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا».

كما جاء النهي عن كل ما يؤدي إلى ظهور الشحناء بين المؤمنين، وذلك من أجل الحفاظ على وحدتهم وقوتهم وسلامتهم، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال».

وفي حديث آخر: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».ِ

ومن هنا كان لصفاء القلب ونقاوة النفس أثر كبير على تحديد مسار المنهجية نحو الاستقامة والصواب، لأن القلب المريض لا يستطيع أن يقود صاحبه فكيف يقود الآخرين ويحقق لهم السعادة والراحة؟!

وأخيرًا نختم هذه القاعدة بقول الله تعالى الذي يخبر عباده أن الفوز بالقرب منه جل وعلا، ونيل رضوانه وجناته يكون بصفاء القلب وسلامته من الشحناء والضغائن: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88 إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ .



بحث عن بحث