القاعدة الثلاثون

أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة

الدعاء لب العبادة، وهو الوسيلة التي يبث العبد من خلالها شكواه ونجواه إلى الله تعالى، ويطلب منه العفو والمغفرة والسداد والتوفيق والنجاة في الدنيا والآخرة.

وقد أمر الله تعالى عباده بالدعاء في مواطن كثيرة من كتابه المبين، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، ويقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾.

كما أشار الله تعالى في بعض آيات كتابه الحكيم إلى استجابته لدعوات عباده الصالحين، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴿83  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾، وقوله: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾، وقوله تبارك وتعالى في غزوة بدر عن عباده المؤمنين: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ  ﴾.

ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله حييٌّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردّهما صفرًا خائبتين».

الدعاء يقبل بحصول شروطه وانتفاء موانعه
 

فإذا كان هذا شأن الدعاء، وكان هذا شأن الله تعالى مع عباده الذين يدعونه في الاستجابة لهم، إلا أن الشرع وضع شروطًا لهذه الاستجابة، كإخلاص العبودية لله تعالى، ورفع اليدين واختيار الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، والإلحاح في الدعاء، إلا أن أهم شرط هو المطعم الحلال، والمشرب الحلال والملبس الحلال والمسكن الحلال.

وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى هذا الشرط بوضوح في قوله: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ  . وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ  ﴾. ثم ذكر الرجلُ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك».

كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى عظم ما يقترفه أولئك القوم الذين لا يبالون بأكل المال الحرام وإطعام أسرته وأولاده منه، فقال صلى الله عليه وسلم : «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به».

ومن هنا فليعلم أن من أهم الأمور لاستجابة الدعوة تحقيق العبد هذا الشرط الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الإطعام والكسوة من المال الحلال الذي يأتي بالطرق المشروعة والعمل المشروع، وهو خطوة إيجابية لا بد من توافرها في الإنسان الذي يسعى للبناء والتقدم، ورسم منهجيته في الحياة على أسس متينة، لأن الإنسان حين يأكل من الحلال ويبتعد عن الحرام بكل أشكاله فإن ذلك إشارة إلى وجود عنصر الخيرية في نفسه، وبالتالي ينطلق من المباح، ولا ينطلق على حساب حقوق الناس وأموالهم ومصالحهم.

كما ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة في مسألة الدعاء، وهي قول بعض الناس دعوتُ فلم يستجب لي، وهذه مخالفة صريحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي».

فتأخير الإجابة فيه حكم جليلة لا يعلمها إلا الله تعالى، فقد تكون استجابة مؤخرة ولكن تكون بفضل عظيم وخير كثير، أو تكون الاستجابة برد مصيبة ودفع ضرر، أو ربما تتحول الاستجابة إلى رصيد وذخر للعبد يوم القيامة حين يكون بأمسّ الحاجة إلى الخير والعمل الصالح.



بحث عن بحث