الخاتمة

وأخيرًا فيمكن تلخيص تلك القواعد الثلاثين وإيجازها وفق النقاط الآتية:

1-    إن الإيمان بالله تعالى وإفراده بالعبودية والعمل بمقتضيات ذلك، هو الأساس في بناء المنهج السوي للإنسان، وصناعة الحياة السعيدة في النفس والمجتمع، فالسلوك الإيجابي والخُلق القويم إنما هو انعكاس لهذا التصور الصحيح.

2-    إن التصور الصحيح عن الكون والحياة والإنسان، والسنن التي تجري عليها والنواميس التي تحكمها وتربط بين أجزائها، من الأمور التي تولّد عند الإنسان المنهج السوي في الحياة، لأنه انطلق عن علم ودراية بما حوله، الأمر الذي يجعل خطواته هادفة وسديدة.

3-    إن تحديد الهدف والتخطيط له من الأسباب التي تكوّن المنهجية الصحيحة للإنسان وتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، لأنه يسير في اتجاه واضح، ونحو غاية معروفة، أما الذي يسير بعشوائية، فإنه يتيه في ظلمات الفشل والضياع.

4-    إن العلم الشرعي أهم العلوم لسعادة الإنسان ومنهجيته في الحياة، فهو الذي يضبط سلوكه، ويضع الحدود لحركته، كما يحدد له الأهداف السامية والوسائل المباحة، وبدون هذا العلم تضطرب حركته وتضيع أهدافه.

5-    إن العمل الصالح من القواعد التي تسهم في بناء الحياة السعيدة، لأنه يسعد صاحبه لنزول الرحمة والسكينة عليه، كما يسعد الآخرين حين يتلمسون أثره عليهم.

6-    إن من أهم قواعد الحياة وعوامل السعادة، ترك المعصية التي هي ظلمة للقلب، وسبب للشقاء والأمراض النفسية، وهي باب يلج منه كل شر، وهي غشاوة تمنع الإنسان من معرفة الحق واتباعه.

7-    من أهم قواعد الحياة أن يتعلق الإنسان بالعمل من خلال واقعه دون أمانيه، مع التخطيط لمستقبله الدنيوي والأخروي، أما التعلق بالأماني فهو سراب يخدع صاحبه ويجعله يتيه ويضيع، ويحمّل نفسه ما لا تطيق.

8-    ومن أسباب السعادة والوصول إلى منهجية صحيحة في الحياة، الحفاظ على الوقت واستغلاله في معالي الأمور، وعدم الإفراط فيه وتضييعه في الصغائر.

9-   إن التزود بخُلقي الصبر والشكر من أهم القواعد التي تساهم في بناء المنهج الصحيح للإنسان في الحياة، لأنه من الخصال التي تحافظ على توازن الإنسان واستقراره وسلامته.

10-  إن تجنب الغضب المذموم وتفادي الانتقام، من القواعد المهمة في تكوين المنهجية القويمة وبناء الحياة السعيدة، لأن ذلك يجعل الإنسان يتحكم بقراره وسلوكه، فتكون النتائج إيجابية وموفَّقة.

11-  إن تمرين النفس على الحلم والثبات في الأزمات والتحديات من أهم القواعد التي تبني المنهجية القويمة في الحياة، لأن الإنسان معرَّض في أية لحظة إلى صدمة أو مصيبة أو مفاجأة، ولا يستطيع الوقوف أمامها إلا من كان عنده رصيد سابق من الحلم والثبات.

12-  التفاؤل قاعدة مهمة من قواعد المنهجية الصحيحة في الحياة، فلا يستقيم السلوك الإنساني ولا يأخذ طريقه نحو النجاح والتفوق من غير تفاؤل وحسن ظن بالله تعالى، ولا يمكن أن يقدم الإنسان مشروعًا مفيدًا لنفسه ولأمته، وهو يعاني اليأس والقلق والخوف.

13-  إن صناعة الحياة وتحديد مسارها نحو الخير أو الشر بيد الإنسان نفسه، وهو مسؤول عنها في الحالتين، فقد يجعل من حياته ملاحم من السعادة والنجاح والتفوق، وقد يحوّلها ركامًا من الإخفاق والقلق والتعاسة.

14-  إن التعلق بالله وحده من أولويات المنهجية السوية في الحياة، لأنه يختصر الطريق على صاحبه، ويحافظ على وقته، ويمنعه من الانشغال بما في أيدي الناس، وهو على يقين أن من سنن الله ربط الأسباب بالمسببات.

15-  من قواعد المنهجية الصحيحة والحياة السعيدة، عدم التعلق بالماضي القاتم والاستسلام له، بل تصحيح ذلك الماضي بالعمل الإيجابي، وتجديد الانطلاقة نحو الحياة بتفاؤل وأمل وإتقان.

16-  ومن الأسس المتينة التي تبنى عليها الحياة السعيدة، ذِكْرُ الله تعالى بالقول والعمل والاعتقاد، حيث لا يبقى مكان للكلمة البذيئة، والغيبة المحرمة، والجدال الفاسد، الأمر الذي يجلب للنفس الراحة والطمأنينة، ويدفع عنها وساوس الشياطين وشرورهم.

17-  إن الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، والصبر على ذلك، دعامة مهمة في تكوين المنهجية السوية، لأنه يدخل في النفس السكينة والطمأنينة، ويطرد عنها الجزع والتأفف، الأمر الذي يخفف من وطأة المصيبة، ويُسرع في زوالها.

18-  الإحسان إلى الناس مبدأ عظيم وقاعدة مهمة في دين الله تعالى، لحياة إيجابية سعيدة ولبناء العلاقات الحسنة بين البشر، وتكوين المجتمع المتماسك والمتعاون، وفقدان هذا العنصر في أي مجتمع يعرضه فريسة للأنانية المفرطة والذاتية المقيتة.

19-  إن وجود القدوة الصادقة والصالحة أمر ضروري لإيجاد منهج صحيح في الحياة وتحقيق الحياة السعيدة فيها، ليقيس المسلم حياته عليها ويستأنس بها، وقدوة المسلم ومثله الأعلى هو النبي صلى الله عليه وسلم ، في العبادة والسلوك والأخلاق.

20-  إن من نعم الله على الإنسان أن جعل له قدرات خاصة، ومواهب كامنة، ولكي يصل هذا الإنسان إلى تكوين منهج قويم وتحقيق حياة سعيدة  لابد أن يستثمر هذه المواهب والقدرات وينمّيها بصورة إيجابية، لأن الإفراط فيها، والتهاون في استغلالها يعرّض صاحبها ومجتمعه للضعف والتخلف والانحطاط.

21-  ومن قواعد بناء المنهجية الصحيحة في الحياة وإيجاد السعادة على الواقع عدم الانشغال بالحاسدين والحاقدين، لأن الانشغال بهم يهدر الطاقات، ويضيّع الأوقات، ويغْفل عن ذكر الله، وجميعها عوامل هدم للإنسان والحياة.

22-  إن تقويم النفس ومحاسبتها بين الحين يسهم بشكل كبير في إعداد المنهج السوي في الحياة وبناء السعادة الحقيقية للإنسان، وذلك من خلال مراجعة الأعمال وفصل الصحيح منها عن السقيم، والاستمرار على الصحيح ومعالجة السقيم والتوبة عنه.

23-  إن لذكر الموت أثر كبير في إعداد المنهجية القويمة في الحياة، حين يتفاعل الإنسان معه باعتدال وإيجابية، أما إذا تفاعل معه بصورة سلبية، فإنه يتحول إلى معول هدم وتعطيب لمسيرة النجاح والفلاح في الحياة.

24-  إن للقناعة دورًا كبيرًا في تحديد المنهجية الصحيحة في الحياة، وتحقيق السعادة للإنسان، لأنها وقاية لبعض آفات النفس كالجشع والطمع والحسد، وبالتالي فالقانع لا ينشغل كثيرًا بالآخرين، بل ديدنه الانشغال بشكر الله تعالى على نعمه، والعمل من أجل تطوير ذاته ومجتمعه.

25-  إن الإنسان الذي يسعى لرسم منهجية صحيحة في الحياة لا بد أن يقيم علاقة حسنة مع الله تعالى من جهة، ومع الناس والمجتمع من حوله من جهة أخرى، على أساس المحبة الصادقة، حتى يحقق النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة.

26-  الإخلاص مطلب مهم ودعامة أساسية للإنسان الذي يريد السير على النهج الصحيح في الحياة، لأنه يربط أعمال الإنسان بأوامر الله تعالى ونواهيه، والتي من شأنها تحقيق الخير والمنافع للناس، ودفع المفاسد والشرور عنهم.

27-  إن صفاء الصدر ونقاء النفس من أهم ما يعين الإنسان للسير في الطريق القويم نحو تحقيق السعادة الحقيقية، فالإنسان يستطيع أن يبني الحياة بصورة صحيحة، رغم تباين الآراء والتوجهات في المجتمع الواحد، عندما يحمل بين جنبيه قلبًا كبيرًا خاليًا من الأحقاد والضغائن.

28-  إن تقّبل النصيحة والنقد البنّاء الذي يُستفاد منه، من أساسيات حركة الإنسان وتوجيهها نحو الصواب، وهو من تعاليم الإسلام وشعائره، وإن كان هذا النقد موجهًا من غير المسلم، لأن ذلك يزيد من قوة الإنسان في التحرك والإنتاج والنجاح.

29-  إن مبدأ الاستخارة والاستشارة تسهم في بناء المنهجية الصحيحة للحياة، وتثريه بالأمور المهمة التي قد تغيب عن الكثيرين، كما أنه يجنّب الإنسان التأسف على الماضي والتحسر عليه حين يقع خلاف المقصود.

30-  إن كسب الحلال الذي هو من شروط قبول الدعاء، قاعدة مهمة في إيجاد المنهج الصحيح، وبناء الحياة السعيدة، لأنه علامة على وجود عنصر الخيرية في صاحبه، الأمر الذي يدفعه للانطلاق في الحياة بقوة وثبات، لأنه يتحرك في دائرة الحلال، من غير اعتداء على حقوق الآخرين أو تجاوز لحرمات الله.

ومن أجل تطبيق هذه القواعد بصورة ناجحة لا بد من خطوات تمهيدية لها، ومن أهمها:

1 – أن يفرز الإنسان عمله، من خلال حصر الإيجابيات من جهة، وحصر المشكلات والعوائق التي تقف أمامه من جهة أخرى.

2 – الاستعداد النفسي للتطبيق وتجنب ما يعيقه من العقبات النفسية والحواجز المادية.

3 – وضع خطة زمنية لتطبيق ما يراد تطبيقه من هذه القواعد، بحيث تتناسب مع الإمكانات المتاحة.

4 – التدرج في التطبيق وعدم الإسراع فيه، حتى تتحمّله النفس وتتقبله أولاً، ثم لضمان النجاح ثانيًا.

5 – الالتزام بالأولوية في التطبيق، بحيث يوضع الأهم أولاً ثم الأقل أهمية وهكذا.

6 – أن يضع الإنسان في الحسبان نسبة النجاح الغالبة أثناء التطبيق، وليست كاملة، وهي من الخطوات التمهيدية المهمة للوصول إلى النجاحات الكثيرة والمتكاملة.

7 – الاستعانة بالله تعالى في جميع الأحوال، فلا غنى عنه جلّ وعلا بالاستعانة به وطلب العون والنجاح منه، وإن توفرت الأسباب وتنوعت الوسائل، لأن الأمر بيد الله الذي خلق الأسباب والمسببات.

وغير ذلك من الخطوات التي تتناسب مع حال كل شخص وظروفه وإمكاناته، وما عنده من المواهب والمهارات التي يمكن الاستفادة منها في مجال التطبيق العملي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

فالح بن محمد بن فالح الصغير

المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث