r   ثالثًا: الربط بين الدنيا والآخرة:

ذكر الربط بين الحياة الدنيا والآخرة كثيرًا في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من خلال المقارنة والموازنة بين الدارين والفارق الكبير بينهما، من حيث:

1 - زوال الأولى وبقاء الآخرة.

2 - والعمل في الأولى والمكافأة والجائزة في الآخرة.

3 – نوعية لنوعية المتاع والبؤس في الأولى ومقارنتها مع النوعية الأخروية وهكذا.

يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ويقول جل وعلا: ﴿يَا قَوْم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض المقارنات التي تبيّن حقيقة الدارين، ومن ذلك:

- قوله صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعلُ أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم يرجع»، حيث شبّه عليه الصلاة والسلام الدنيا بتلك الرطوبة الزائلة التي تتعلق بالإصبع بعد إدخاله في الماء، وشبّه الآخرة بالبحر وكبر حجمه وسعة مسافاته، فالفارق كبير وعظيم جدًا، الأمر الذي يحرّك الفكر والعقل للعمل في الحياة من أجل ضمان الآخرة.

- وقوله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرًا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قط، هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».

وهذه صورة أخرى من صور المقارنة بين الحياة الدنيا والآخرة، حيث يقارن النبي صلى الله عليه وسلم بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، حيث فلا يحس المنعم عليه في الدنيا ولا يتذكر شيئًا من نعيمها حين يرى نعيم الآخرة، وكذلك الحال بالنسبة لمن عذب في الدنيا فإنه لن يتذكر شيئًا من عذاباته ومآسيه حين يغمس قليلاً في الجنة.

وهذا أيضًا مشهد يحثّ الإنسان للعمل والطاعة حتى ينال النعيم العظيم ويسلم من العذاب المهين.

وهذا لا يعني البتة أن يعزف الإنسان عن الحياة والعمل فيها، بل عليه أن يعمل ويسعى في طلب الرزق لنفسه وأهله وأسرته، لأن ذلك من مسؤولياته المكلف بها، وليس من حبّه أو تفضيله للدنيا على الآخرة، وهو امتثال لأمر الله تعالى القائل: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

وهذه الآية تحافظ على توازن الإنسان في الحياة، وتقضي على العجز والكسل والاستسلام الذي يتذرع به البعض بحجة التزهد أو التعزف في الدنيا من أجل الآخرة.

بل إن الله تعالى ليغني العبد في نفسه حين يعمل للآخرة، وتأتيه الدنيا وهي راغمة، بخلاف الذي يجعل زخرف الدنيا هدفًا له، فإنه لا ينال من الدنيا إلا فقرًا وحاجة في النفس، وإن ملك الأموال الكثيرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» .

والحكمة تقول: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.



بحث عن بحث